عندما تحاصر إسرائيل غزة وتغلق معابرها، تمنع الطعام والشراب وحتى مواد البناء عنها، تُحوّل سكانها إلى عاطلين عن العمل، فيبحث شبابها عن عمل ولا يجدون سوى العصافير لتساعدهم على تأمين قوت يومهم.
وبعد انتظار قد يطول لساعات عدة، يسحب نصر حبله لتنقض شباكه على عصفور هبط لتوه وتصطاده، فيسرع لأخذه ونقله إلى قفصه الحديدي.
ويحاول أن يبتعد عن أعين جنود الاحتلال الإسرائيلي خشية إطلاق النار عليه، فموقع صيده يقع في الأراضي التي تبعد مئات أمتار عن الحدود بين شمال شرق قطاع غزة، قرب السياج الحدودي.
وبقليل من الخبرة يفحص نصر صيده ليعرف أنواع العصافير العشرين التي اصطادها بعد انتظار دام أربع ساعات متواصلة، حيث يتقاسم مبلغ بيع هذه العصافير مع صديقه الذي يشاركه يومياً رحلات الصيد.
نصر يبيع العصافير ليؤمن بعض الاحتياجات الأساسية لأسرته
الحسون والكنار
وينطلق الصياد الفلسطيني برفقة مجموعة من الشباب بشكل شبه يومي منذ ساعات الصباح الأولى إلى الأراضي المحاذية للشريط الحدودي بين غزة والأراضي المحتلة، ليعودوا قبل دخول وقت الظهر ومعهم بعض العصافير التي يبيعونها ليتمكنوا من توفير بعض الاحتياجات الأساسية لأسرهم.
ويقول نصر -أب لتسعة أبناء، ويقطن في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غربي مدينة غزة- إنه ينطلق يومياً بعد صلاة الفجر من منزله إلى الأراضي الزراعية ليصطاد العصافير.
ويشير إلى أنه يصطاد يوميا نحو عشرين عصفورا ملونا من نوع "الخضرة" ويبيع الواحد منها بشيكلين (نصف دولار).
وفي يوم حظه، تقع في شباك نصر عصافير يصل ثمن الواحد منها ستين أو سبعين شيكلا مثل "الحسون" أو "الكنار".
ولا يمكن صيد العصافير طوال أيام العام، فموسم قدومها إلى قطاع غزة يمتد من شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى فبراير/شباط من كل عام.
ولا تخلو رحلات صيادي العصافير في غزة من المخاطر، فمواقع صيدهم قريبة من السياج الحدودي، وهم يتعرضون على فترات متقاربة لإطلاق نار من الجنود الإسرائيليين المتمركزين قرب الحدود، مما أدى إلى إصابة العشرات منهم منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، كما يقول نصر.
لحظة اصطياد بعض أنواع العصافير
خطر الموت
ويلجأ الصيادون إلى المناطق الحدودية لأن العصافير لا تتواجد إلا في المناطق الزراعية الخالية من العمران.
وبعد أن ينتهي موسم صيد العصافير يعود الفلسطيني نصر إلى مهنته الأساسية كـ"سائق سيارة أجرة"، التي "لا تؤمن أدنى احتياجات أسرتي بسبب غلاء أسعار المحروقات والأعطال المتكررة في السيارة".
محمود الهسي (35 عاما) مواطن غزي آخر أجبرته الظروف على صيد العصافير ليعيل أسرته المكونة من سبعة أفراد.
ويقول الهسي، الذي يقطن في مدينة غزة، للجزيرة نت إنه كان يعمل في حقل البناء ولكن توقف دخول الأسمنت إلى القطاع أجبره على التوقف عن العمل، فلجأ إلى تربية العصافير والطيور وصيدها ليعيل أسرته.
ويتمنى الهسي أن يعود إلى عمله في مهنة "البناء" ليبتعد عن "خطر الموت" أو الإصابة برصاص جنود الجيش الإسرائيلي الذي يواجهه يوميا خلال صيد العصافير في المناطق المحاذية للحدود.
ويمتهن مئات الشباب في غزة بيع وتربية الطيور الملونة بأنواعها المختلفة حيث يقبل على شرائها الكثير من المواطنين المهتمين، وتصل أثمان بعض الأنواع النادرة إلى مائة دولار أميركي.