لفت نظري كثيرا ذلك التفاعل المتوتر الذي أبداه الكثير من الجنوبيين، ومنهم سياسيون محترمون ومواقع إعلامية معتبرة، تجاه ما قاله (الفنان الكوميدي) عبده الجندي عن اعتراضه ومعه المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه على اختيار أحمد عوض بن مبارك لرئاسة الحكومة، وهو من اعتذر لاحقا عن القبول بالتكليف، وراح الكثير من الكتاب والمحللين والصحفيين يفسرون حديث الجندي على إنه إهانة للجنوب والجنوبيين، بل وصف البعض هذا الموقف بأنه يمثل نوعا من العنصرية.
لست بصدد مناقشة تكليف بن مبارك واعتذاره، بل ما يهم هو كيف يفهم القارئ والمتابع العادي بعض ردود الافعال الجنوبية التي في كثير من الحالات ينعدم فيها التمييز بين ما هو جوهري وما هو غير جوهري، ما هو رئيسي وما هو ثانوي وما هو ضروري وما هو غير ضروري
مرت في اليمن خلال الأعوام الأربعة الأخيرة أحداث جسيمة وكبيرة قدمت فرصا ذهبية لتحسين موقع القضية الجنوبية في إطار توازن القوى السياسية في اليمن، وغالبا ما كنا نسمع الكثير ممن الناشطين السياسيين الجنوبيين يرددون: هذا لا يعنينا!، حصل هذا عند اندلاع الثورة الشبابية السلمية في مطلع العام ٢٠١١م وكذا عند انعقاد أعمال مؤتمر الحوار الوطني مطلع العام 2013م الذي مثل فرصة لعرض القضية الجنوبية والاعتراف بعدالتها ومشروعيتها، وكذا بعد التغيير الذي شهدته صنعاء في النصف الأخير من شهر سبتمبر المنصرم، هذه الأحداث المفصلية من الخطل ومن عدم الحكمة القول بأنها لا تعني الجنوبيين في شيء، فبرغم مقاطعة معظم فصائل الحراك لمؤتمر الحوار الوطني واقتصار الحضور على فصيل واحد ما لبث إن انقسم على نفسه ليستبدل بجماعة ممن يرضى عنهم الرئيس ومراكز القوى، أقول برغم ذلك فقد كان الموقف المتميز لبعض ممثلي الحراك فرصة لتعريف العالم بالقضية الجنوبية، وكان يمكن لهذا الموقف ان يكون اقوى وأمتن وأكثر تأثيرا فيما لو شاركت غالبية فصائل الحراك في المؤتمر.
في ٢١ سبتمبر تمكنت جماعة انصار الله من فرض خيارها السياسي على العاصمة صنعا وفر خصومها السياسيون والعسكريون خارج البلد، وإن لم تعلن استيلاءها على الحكم لكنها اليوم صارت طرفا رئيسيا ، لكي لا أقول الطرف الأقوى والاكثر تحكما في صناعة الأحداث في اليمن.
كل هذه الاحداث لم تستفد منها فصائل الحراك شيئا لخدمة القضية الجنوبية، بل لقد بدأت بعض مكونات الحراك في العام ٢٠٠٧ رافعة شعار فك الارتباط واستعادة الدولة، دون ان تبدأها بمطالب مقنعة يفهمها الجميع لتبرير هذا المطلب، وراح بعض الكتاب والسياسيين الفاعلين يتحدثون عن تقدم الجنوب وتخلف الشمال، وكأن هذا هو المشكل الرئيسي الذي يعاني منه الجنوبيين، كما ذهب البعض إلى القول بأن "الدولة الجنوبية على مرمى حجر، في محاولة لحرق المراحل والاستهتار بقانونيات الحراك التاريخي والاجتماعي، وإخضاع لنزعة إرادوية لا تضع في الاعتبار إلا ما يتمناه أصحابها.
الضجيج الواسع الذي أحدثه تصريح عبده الجندي ليس له ما يبرره، فمن حق أي قوة سياسية أن تعترض او توافق على هذا القرار السياسي أو ذاك، وليت عبده الجندي اورد سببا آخر لاعتراض المؤتمر وأتباعه على بن مبارك غير جنوبيته، وليت المدافعين على بن مبارك دافعوا عن سجايا وخصال أخرى لدى الرجل غير كونه جنوبيا، لكن يبدو أن شعار لا يعنينا قد انقلب فصار ما لا يعني الجنوبيين يعني بعض الكتاب والساسة، وما يفترض أنه يعنيهم قال الكثير منهم أنه لا يعنيهم.
إسقاط علي عبدالله صالح من خلال ثورة شعبية سلمية يعني الجنوبيين حتى وإن جرى الالتفاف على هذه الثورة وإفراغها من مضمونها الوطني والاجتماعي، واحتواءها من قبل النافذين ومراكز القوى في صنعاء، مثلما كان مؤتمر الحوار يعني الجنوبيين حتى وإن لم يلب كامل مطالب الجنوبيين، أما التغيير العاصف الذي جرى في صنعاء اواخر سبتمبر المنصرم فهو يعني الجنوبيين في الصميم، إذ إنه أثبت أن الجنوبيين ظلوا يواجهون دولة من ورق، تستأسد امام الفعاليات السلمية وتقتل العشرات في فعالية مدنية في مأتم او حفل عرس لكنها تعجز عن حماية عاصمتها عندما تواجه قوة منظمة تدرك أهدافها وتمرحلها وتقدم نفسها كداعية عدل وكمعبر عن مطالب الناس وتطلعها، . . . . وبالمناسبة فسقوط صنعاء بيد "أنصار الله" لم يكن بقوة السلاح بل كان بقوة التنظيم وتراتبية الخطوات والتمييز بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي وبين ما ينبغي اليوم وما يمكن تأجيله إلى الغد.
قبول بن مبارك أو رفضه من قبل القوى السياسية لا يجب أن يعني الجنوب والجنوبيين في شيء، فكما قلت سابقا، بن مبارك ليس هو الجنوب حتى وإن كان من أبناء الجنوب، فما أكثر رؤساء الوزراء والوزراء الجنوبيين الذين لم يسعفوا مريضا ولم ينصفوا مظلوما ولم يصدوا ناهبا ولم يعيدوا جنديا واحدا إلى عمله بل لم يتجرأوا على الإجهار بواحدة من كوارث حرب ١٩٩٤م هذا إن لم يكونوا جزءا ممن نهبوا الجنوب وسلبوا أهله كلما حصلوا عليه منذ الاستقلال حتى يوم الحرب (الكارثة).
القضية الجنوبية اليوم أمام منعطف حاسم وإذا لم يتقن القائمون عليها استثمار اللحظة التاريخية وتوظيفها لصالح تحقيق أهداف ثورة الحراك السلمي فقد تنحسر الموجه وتتغير المعطيات وتتبدل موازين القوى وتفوت الفرصة التاريخية التي وفرتها متغيرات ٢٠١١ – ٢٠١٤م
برقيات:
لا يكفي إدانة الجريمتين الإرهابيتين التين حصلتا في يوم واحد في صنعا وحضرموت، واللتين راح ضحيتهما أكثر من سبعين شهيدا وعشرات الجرحى، كان لا بد من توقع أعمال كهذه، ولذلك كانت الوقاية مفترضة وضرورية، . . أنا هنا لا أتحدث عن وزارة الداخلية وأجهزة الأمن المختلفة فهذه قد صارت من الماضي والرهان عليها خاسر، بل أتحدث عن أنصار الله، الذين يديرون الملف الأمني، في صنعا على الأقل.
* حادثة الاغتيال التي تعرض لها د وضاح الهتاري في وسط صنعاء وهو يؤدي عمله في إحدى الصيدليات تمثل انتكاسة مروعة للدعاية التي يقدمها الحوثيون عن أنفسهم بأنهم دعاة للعدل واحترام النظام وتطبيق القانون،. . . على أنصار الله أن يبرروا ما حصل وأن يقبضوا على الجاني ويقدموه للعدالة، وهو مطلب ينطبق على كل الجرائم التي تحصل هنا وهناك، قتلا كانت أم استفزازا أم إساءة معنوية أم اقتحام منازل ونهب مؤسسات.
* قال الشاعر العربي أحمد مطر:
تريد أن تمارس النضال؟
تعال ! كُل كثير مسكر قليله حرام
فأعلن الصيام عن إذاعة النظام
وأعلن الصيام عن صحافة النظام
وأعلن التوبة ألف مرة عن خطب الحكام
واستغفر الله على عمر مضى
صدقت فيه مرةً وسائل الإعلام!
ثم التقط بملقط ما قيل أو يقال
وأرم بهِ في سلّة الزبال
هذا هو النضال!