تشهد حارات مدينة المكلا القديمة وبعض مدن حضرموت العريقة في اليوم ما قبل الأخير من شهر رمضان المبارك فعالية كرنفاليه ممتلئة بالأهازيج الشعبية والأشعار المختلطة بالموشحات الدينية المعبرة عن وداع شهر رمضان الكريم وتُعرف هذه الفعالية باسم "الوريقة" او " الشامية" أو " التختيم"، حيث تختلف التسمية بأختلاف المنطقة
حيث يحتشد الكثير من الأطفال والآباء والأمهات منذ ساعات الصباح الأولى (في بعض المناطق من العصر) ويلتفون حول رئيس فرقة الشامية وهو نفسه "المسحراتي" لترديد تلك الأهازيج الشعبية التي ينشدها، والتي غالباً ما تُخصص لتختيم الأطفال حديثي الولادة في الحارات العتيقة للمدينة القديمة، وكذلك الحال بالنسبة للمنازل الحديث بنائها.
ومن تلك الأبيات التي يتم ترديدها " الصغير قعد بالضيقة .. قالت أمه ها توله بيضه" .. "بغينا شوية شوربه .. ولا كسرنا البرمه"، وكذلك البيت القائل " دار من دي الجديدة .. الله يخلي مولاها ". وغيرها العديد من الاهازيج التي يستمر قائد فرقة الشامية في تريدها في شوارع وأزقة الحارات فيما يحلق من خلفه أطفال الحارات مرددين من بعده تلك الأهازيج.
وفي مقابل القيام بعملية "التختيم" للأطفال حديثي الولادة في الحارات والتي تشمل ترديد الدعوات بالسلامة وطول العمر والصلاح للطفل المولود ، وعودة السنوات القادمة عليه وهو يرفل في الصحة والعافية، يتحصل قائد فرقة " الشامية" على العطايا والهبات من قبل أهل المولود والتي تشمل غالباً المال أو الطعام والشعير والحبوب والشربه.
والعطايا التي يتحصل عليها ، ليست فقط حكراً على أهالي وأقرباء المولود، بل تشمل كذلك أهالي الحارات ممن ليس لديهم أطفال حديثي الولادة ، وذلك كمكافئة له على تقديمه خدمة " المسحراتي " طوال ليالي الشهر الفضيل
وعن هذه الفعالية يقول العم محمد جعان بن وبر، قائد (فرقة الشامية ) أن هذه الفعالية قديمة للغاية وهي موروث ثقافي وشعبي لأبناء حضرموت ، حيث أنها متبعة منذ عقود طويلة للغاية، وأنه ورث هذه المهنة من أبيه الذي ورثه من جده والذي هو الأخر ورثه من جده الأكبر. قائلاً أن ( الشامية ) اكتسبت أسمها من ( الشام ) حيث تم استقدامها من هنالك قبل فترة طويلة من الزمان.
بن وبر ، عبر عن أسفه الكبير للإهمال الذي تُقابل به الحكومة هذه الفعالية التراثية الشعبية والفرائحيه، ب عكس ما كانت تفعله السلطات المحلية بالمدينة أبان الدولة الجنوبية قبل قيام وحدة اليمن، حيث كانت الحكومة المحلية السابقة في المدينة تعمل على تقديم الدعم المالي والاهتمام بتلك الفعاليات كونها تأتي في إطار مساعي الحفاظ على تراث وموروث المدينة الحضاري.
وحتى اليوم لا توجد هنالك دراسات أو توثيق رسمي لهذه الفعاليات وتاريخها وبداياتها، ويخشى الكثير من أبناء حضرموت من اختفاء هذه الفعاليات الثقافية الشعبية، كحال العديد من مثيلاتها التي اندثرت وانتهت وأصبحت في طي النسيان.
ورغم الإزعاج والضوضاء والضجيج الذي يخلفه الأطفال والطبول التي تُدق منذ ساعات الصباح الأولى ، إلا أن لا أحد يستطيع أو يتجرأ على أن يُبدي اعتراضه ، كون أن الجميع يعي جيداً أن هذه الفعالية تخص الأطفال وفرحتهم بالتختيم وقرب قدوم عيد الفطر المبارك.