في سنوات الحراك الجنوبي الأولى، كنا نعيش حالة من التعتيم الإعلامي، نبحث عن كلمة واحدة تذكر الجنوب في قناة فضائية أو صحيفة عالمية، وكأننا نبحث عن إبرة في كوم من القش. كان الصوت الجنوبي محاصرًا، غريبًا في محيط لا يريد الاعتراف بوجوده.
لم يكن الأمر مقتصرًا على تغييب الكلمة فقط، بل إن رفع علم الجنوب كان جريمة تُقابل بالقتل بدم بارد على أيدي قوات الأمن المركزي، وكان القمع هو العنوان الأبرز لتلك المرحلة. في أيام المسيرات كانت المطاردات والاعتقالات والمضايقات حاضرة بقوة، في محاولة لإخماد أي صوت جنوبي يطالب بحقه المشروع.
لكن الزمن دار، وتبدلت الأحوال. اليوم انقلبت الآية، فإذا باليمنيين هم من يبحثون عن من يردد "الوحدة" و"السيادة اليمنية"، ويكدّون في سبيل إيجاد منبر يثبت روايتهم. وكأنهم يلهثون خلف صدى يتلاشى في فضاء مفتوح، بعدما كان الجنوب هو من يطارد مجرد ذكر لاسمه.
إنها عبرة التاريخ وسننه التي لا تتبدل، ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾. فالدنيا دول، ومن لم يتعلم من تقلباتها، علّمته قسوتها. واليوم صار لزامًا على أبناء الجنوب أن يلتفوا حول مكاسبهم، ويحافظوا على ما تحقق لهم، فلا مجال بعد كل هذه التضحيات للعودة إلى الوراء أو التفريط في ما ناضلوا من أجله عقودًا طويلة.