تابعنا مؤخرًا الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة "العربية" بعنوان "المعركة الأخيرة"، والذي تناول حياة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. ثم تتابعت بعده موجة من الإطراء والمديح المبالغ فيه من قبل بعض الأصوات التي لا تزال تعيش في دوامة التطبيل والتمجيد، وكأنها تتجاهل ما عاشه الشعب من ويلات.
نحن لا نقيس الإيجابيات بمشاريع متفرقة هنا أو هناك، كجامعة في منطقة ما، أو طريق في منطقة أخرى، فهذه واجبات أساسية لا تستحق الاحتفاء. ما يكتبه التاريخ بحق هو حجم المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن. التاريخ يُكتب عندما تُوجَد مئات الآلاف من فرص العمل، لا حين يُقصى عشرات الآلاف من أبناء الجنوب من وظائفهم ويُدفَعون إلى التهميش.
يُكتب التاريخ بالمصافي النفطية التي تعزز ميزانية الدولة، لا بالشركات الوهمية التي كانت مجرد واجهات لنهب الثروات لصالح فئة محددة من المتنفذين. التاريخ لا يُكتب بتدمير أكثر من 160 مصنعًا في الجنوب، بل ببناء مصانع عملاقة توظف الآلاف وتُنتج وتُصدّر.
التاريخ لا يُسطَّر بالدماء التي أُريقت في صراعات عبثية، حروب بينية لا طائل منها، أكلت من خيرة أبناء الوطن، بل يُكتب حين يسود السلام ويُبنى الوطن بعيدًا عن الحسابات الضيقة.
التاريخ يُخلَّد حين يُبنى جيش وطني يحمي الوطن، لا جيش يُوظف لحماية فرد أو عائلة أو كرسي رئاسة. يُكتب التاريخ عندما يتم استقطاب الشركات العالمية للاستثمار، لا طردها لصالح احتكارات ضيقة.
وأخيرًا، يُكتب التاريخ الحقيقي بمستوى دخل الفرد، حين ترتفع الرواتب تدريجيًا بما يضمن حياة كريمة، لا حين تتدهور الأجور وتُثقل كاهل المواطن.
وإن ما وصل إليه اليمن – شمالًا وجنوبًا – من تدهور في حياة المواطن على كل الأصعدة، ما هو إلا نتيجة طبيعية للتراكمات السلبية التي خلفها النظام السابق، والتي ظلت تنمو وتتفاقم على مدى عقود من الحكم الفردي، والإقصاء، والفساد، وغياب الرؤية الوطنية الحقيقية.
إن التوثيق الحقيقي لا يكون باستحضار صورة مجتزأة أو رواية من طرف واحد، بل بنظرة شاملة تعكس ما حدث فعلًا، وتُنصف الأجيال القادمة بالحقيقة، لا بالتزوير.