منذ أشهر، وغزة تقف وحدها في وجه آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تفرق بين مدني وعسكري، بين طفل وشيخ، بين مستشفى ومخبز، بين بيت ومدرسة. تشتد المأساة يومًا بعد يوم، وتتسع رقعة الألم في هذا الشريط الساحلي الصغير، المحاصر منذ أكثر من 17 عامًا، حتى باتت الأرض تنزف دمًا، والسماء تعجّ بالدخان، والقلوب تئن من وجع لا يوصف.
تجاوز عدد الشهداء عشرات الآلاف، أغلبيتهم من النساء والأطفال، فيما الملايين يعيشون تحت القصف والعتمة والجوع، بلا ماء ولا دواء ولا مأوى. أحياء بكاملها سويت بالأرض، ووجوه بريئة ذهبت ضحية لصواريخ لا ترحم، في ظل عجز المجتمع الدولي، وتواطؤ بعض الأنظمة، وصمت المنظمات التي لطالما تغنّت بحقوق الإنسان.
لقد أصبحت غزة مرآةً تعكس خذلان هذا العالم، وتُظهر مدى ازدواجية المعايير في التعاطي مع القضايا الإنسانية. فحين يتعلق الأمر بشعب أعزل يطالب بحقه في الحياة والحرية، تنقلب الموازين، ويُختزل العدل في بيانات شجب خجولة، لا توقف مجرمًا ولا تنقذ بريئًا.
لكن رغم الألم والمعاناة، فإن غزة لم تنكسر. شعبها صامد، أبناؤها مقاومون، نساؤها شامخات، وأطفالها يولدون من رحم النار ليقولوا: نحن هنا... باقون ما بقي الزعتر والزيتون.