*- شبوة برس - المكلا «الأيام» خاص:
تشهد محافظة حضرموت، كبرى محافظات الجنوب، تطورات متسارعة تكشف عن محاولة معقدة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية للمنطقة، في ظل تصاعد نشاط قوى إسلامية، على رأسها حزب الإصلاح اليمني وتنظيمات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وسط ما يعتبره مراقبون مساعي لزعزعة الاستقرار وسحب البساط من تحت أقدام المجلس الانتقالي الجنوبي.
الإصلاح في واجهة المشهد
مع تصاعد التوترات في المكلا برز حزب الإصلاح مجدداً كفاعل محوري في المشهد الحضرمي، إذ أعلن الحزب ذو التوجه الإسلامي وارتباطه التاريخي بجماعة الإخوان المسلمين دعمه العلني لمواقف مؤتمر حضرموت الجامع بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش.
هذا التحالف غير المعلن رسمياً بين الحزب والمؤتمر يُنظر إليه كمحاولة للالتفاف على المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها المجلس الانتقالي في الساحل الحضرمي، ويُعتقد أن الإصلاح يسعى لتقويض هيمنة الانتقالي عبر دعم كيانات قبلية ومكونات محلية تطالب بحكم ذاتي غير محدد المعالم.
حراك سياسي مشبوه
في سياق موازٍ، ظهرت حركة جديدة تطلق على نفسها "حركة التغيير والتحرير" في مديرية العبر بوادي حضرموت، وهي منطقة تسيطر عليها قوات المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب الإصلاح، وقوات درع الوطن.
وبحسب ما نقله مركز سوث 24 عن مصدر مطلع، فإن الحركة تمثل مشروعاً إسلامياً قبلياً مدعوماً من تركيا ودوائر مرتبطة بالإصلاح، ويرأسها رياض بن شعيب النهدي، المعروف بـ "أبو عمر"، وهو شخصية ارتبطت سابقاً بتنظيم القاعدة.
النهدي، وفي تصريح تلفزيوني، أقر بعضويته السابقة في القاعدة قبل أن يعلن انشقاقه في 2018، لكنه أكد أن حركته الجديدة لا علاقة لها بالتنظيم الإرهابي، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لغسل الصورة الجهادية وتقديم الكيان الجديد كلاعب سياسي شرعي.
القاعدة تطل برأسها من جديد
بالتوازي مع هذا التصعيد، شهدت حضرموت عودة مقلقة لأنشطة تنظيم القاعدة، خصوصاً في وادي حضرموت، حيث تنفذ القوات الجنوبية عمليات متكررة ضد معاقل التنظيم. كما نُفذت ضربات جوية يُعتقد أنها أمريكية ضد قيادات إرهابية في حضرموت وشبوة، فضلاً عن عملية اغتيال طالت أحد عناصر التنظيم في مأرب.
ويحذر المحللون من أن صعود حركات جديدة، مثل "التغيير والتحرير"، تحت غطاء سياسي وقبلي، يمثل في الواقع محاولة لإعادة تدوير عناصر متطرفة ضمن مشروع أوسع يهدف لتفكيك الجبهة الجنوبية وضرب مشروع الاستقلال في مقتل.
بن حبريش والميلشيات موازية
وفي ظل تزايد نفوذ المجلس الانتقالي في المكلا، يسعى الشيخ عمرو بن حبريش رئيس مؤتمر حضرموت الجامع إلى تشكيل ميليشيا مسلحة تحت اسم "قوات حماية حضرموت". وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة واتهامات بخلق كيانات موازية خارج إطار الدولة، وهو ما اعتبرته اللجنة الأمنية بالمحافظة تهديداً صريحاً للسلم الأهلي.
الخلافات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ يشهد حلف قبائل حضرموت نفسه انقسامات حادة، بعد اجتماع موسع في مارس الماضي قرر عزل بن حبريش من رئاسة الحلف، وتبع ذلك تشكيل لجنة قيادة جديدة برئاسة الشيخ عمر باشقار، وسط مؤشرات على احتمال انقسام الحلف إلى جناحين متصارعين.
من جانبه، كثّف المجلس الانتقالي الجنوبي من تحركاته السياسية والميدانية، في مسعى واضح لتعزيز حضوره وتثبيت شرعيته في حضرموت، إذ أعلن المجلس عن تظاهرة شعبية ضخمة في المكلا يوم 24 أبريل لإحياء ذكرى تحرير المدينة من تنظيم القاعدة عام 2016، والتأكيد على دعم قوات النخبة الحضرمية.
وأجرى قياديون بارزون في المجلس، مثل فرج البحسني وأحمد بن بريك، لقاءات جماهيرية وتنظيمية استعداداً للفعالية، ويُنظر إلى هذه التحركات كاستعراض قوة في وجه التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المجلس، ومحاولة لاستعادة زمام المبادرة في حضرموت.
خلف الستار.. أجندات خارجية
يرى مراقبون أن ما يحدث في حضرموت لا يمكن فصله عن التنافس الإقليمي المحتدم، حيث تحوّلت المحافظة إلى ساحة لصراعات تتجاوز حدود الجنوب واليمن، حيث ويقول د. عمر باجردانة رئيس مركز المعرفة للدراسات الاستراتيجية، إن "قوى أجنبية تستخدم الولاءات المحلية لأغراض توسعية، من خلال تمويل كيانات هجينة تلبس ثوب القبيلة أو الدين، بينما تعمل على نسف الاستقرار".
في السياق ذاته، حذر المحلل السياسي سالم المرشدي من أن تشكيل حركات ذات خلفيات متطرفة "ليس سوى ورقة أخيرة لسلخ حضرموت عن محيطها الجنوبي، عبر إرباك المشهد وإغراقه في حالة من التعددية الزائفة".
هل تتفكك حضرموت؟
مع تصاعد الصراع بين القوى المتنازعة، تتصاعد المخاوف من انزلاق حضرموت نحو سيناريوهات خطيرة قد تخرج عن السيطرة، ويؤكد المرشدي أن "المرحلة القادمة ستكون مفصلية، خصوصاً إذا استمرت محاولات تمزيق النسيج الاجتماعي وإضعاف موقف المجلس الانتقالي عبر أدوات مشبوهة".
في المقابل، يدعو قادة في المجلس الانتقالي إلى التهدئة وتشكيل حامل سياسي موحد يمثل الصوت الحضرمي داخل المشروع الجنوبي. لكن هذه الدعوات تصطدم بواقع ميداني ملبّد بالاستقطاب، وتحركات مريبة لقوى تحاول إحياء تجارب سابقة فشلت في تثبيت أقدامها في حضرموت.
التعزيز بقوات عسكرية
ورغم دعوات الانتقالي إلى تشكيل حامل سياسي حضرمي إلا أن هناك توجها داخل المجلس للزج بقوات عسكرية إلى مناطق في حضرموت لمواجهة يصفها أصحاب هذا الطرح بـ "المشاريع المشبوهة" التي تنفذها تنظيمات متطرفة مدعومة من حزب الإصلاح اليمني، في محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في المحافظة وتهديد مكتسبات المشروع الجنوبي.
ويستند أصحاب هذا التواجه إلى جملة من المعطيات الميدانية والمعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى تصاعد نشاط قوى إسلامية متطرفة في وادي حضرموت، خاصة مع ظهور حركة "التغيير والتحرير" بزعامة رياض النهدي، الذي تربطه سوابق واضحة بتنظيم القاعدة. كما يعتبر المجلس أن الدعم العلني الذي أبداه حزب الإصلاح لمؤتمر حضرموت الجامع بقيادة عمرو بن حبريش، هو محاولة واضحة لإعادة تدوير نفوذ سياسي عبر قنوات قبلية ودينية تستهدف تقويض دور المجلس وتعزيز الانقسام داخل الحاضنة الحضرمية.
وتُعد تحركات بن حبريش لتشكيل قوة مسلحة باسم "قوات حماية حضرموت" واحدة من أبرز دوافع الانتقالي للتصعيد، إذ يعتبرها خطوة خطيرة تهدف إلى خلق كيان موازٍ خارج سلطة الدولة، من شأنه تأجيج الانقسامات وتهديد السلم المجتمعي.
ويرى الانتقالي أن استمرار نشاط تنظيم القاعدة في بعض مناطق حضرموت، إلى جانب نشاط عسكري لقوات محسوبة على الإصلاح، مثل المنطقة العسكرية الأولى، يشكل خطراً مباشراً يستوجب الرد بحزم، وفي هذا الإطار، تُعد الفعالية المرتقبة في 24 أبريل بالمكلا بمثابة إعلان شعبي ورسمي لتجديد الالتفاف حول المشروع الجنوبي، وإعادة تأكيد شرعية قوات النخبة الحضرمية كضامن أمني رئيسي في المحافظة.
ويؤكد المجلس أن تحركاته تأتي في سياق الدفاع عن خيار أبناء حضرموت في الارتباط بالمشروع الجنوبي، ورفض محاولات العبث بالهوية الحضرمية عبر أدوات سياسية ودينية موجهة من الخارج، ومع تمسك الانتقالي بخيار الحامل السياسي الموحد، إلا أن تعقيدات المشهد تفرض عليه واقعاً ميدانياً يتطلب تحركاً عسكرياً لضمان استقرار الجنوب ومنع إعادة إنتاج الإرهاب تحت غطاء قبلي أو حزبي.
في المحصلة، يواجه المجلس تحدياً حقيقياً في معركة متعددة الوجوه، لكنها معركة يعتبرها مصيرية لحماية حضرموت من السقوط مجدداً في قبضة التطرف والمشاريع الانقسامية.
ختاما
مع اقتراب موعد 24 أبريل تتكثف محاولات الأطراف المتصارعة لحشد الشارع الحضرمي، لكن الثابت حتى اللحظة هو أن حضرموت باتت ميدان اختبار حساس لمشاريع سياسية متصارعة، أهمها المشروع الجنوبي الذي يتعرض لهجمة شرسة من قوى إسلامية ومتطرفة تستخدم كل الأدوات الممكنة للانقضاض على ما تحقق.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة، يبقى السؤال الأهم: هل تنجح حضرموت في النجاة من عاصفة المشاريع المتصارعة، أم تسقط فريسة في قبضة التطرف والإرهاب مرة أخرى؟