في ظل الإضراب الشامل الذي تشهده الجامعات والمدارس الحكومية في عدن، نتيجة الانهيار الكامل في أوضاع التعليم، وتدهور حياة الأكاديميين والمعلمين، تفاجئنا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالإعداد لما يُسمى بـ"مؤتمر علمي طلابي"، تحت غطاء إعلامي صاخب، وكأن التعليم يعيش أزهى عصوره!
إننا – كأكاديميين وغيورين على مستقبل الجامعة والتعليم في الجنوب – نعبّر عن استنكارنا الشديد لهذه المحاولات المفضوحة لتزييف الواقع، وندين استغلال مدينة عدن كمنصة لتمرير أنشطة شكلية هدفها الأول الحصول على تمويلات دولية، ونهبها في ظل غياب أي محاسبة حقيقية.
وندق ناقوس الخطر بشأن الآتي:
1. سياسة الوزير خالد الوصابي، أحد ممثلي التيار الإخواني الذي طالما سعى لتقويض التعليم العام لصالح مؤسسات تعليمية خاصة تدين له بالولاء، في تهميش الجامعات الحكومية، وعلى رأسها جامعة عدن، وتجويع الكادر الأكاديمي، وحرمانه من أبسط حقوقه.
2. استخدام المؤتمرات الطلابية لتجميل صورة وزارة عاجزة، بدلًا من الاستجابة لمطالب الإضراب وحقوق الجامعات.
3. السعي المكشوف لحصر مرجعية التعليم الجامعي في جامعات حزبية خاصة وعلى رأسها جامعة العلوم والتكنولوجيا وتهميش الجامعات الوطنية.
4. استغلال الطلاب الجامعيين – خصوصًا من الجامعات الخاصة – كواجهة إعلامية بديلة، في محاولة لتلميع الخصخصة وشرعنتها.
والأدهى من ذلك أن الوزير خالد الوصابي، ومن باب مسؤوليته المباشرة، كان الأولى به أن يحرّك أدوات وزارته لمعالجة الكارثة الحقيقية المتمثلة في توقّف الدراسة بالجامعات الحكومية منذ أكثر من أربعة أشهر، بسبب إضراب آلاف من أعضاء هيئة التدريس احتجاجًا على تدهور الوضع المعيشي وغياب أدنى درجات الكرامة الوظيفية. أليست هذه كارثة وطنية؟ أليست مسؤولية الوزير الأساسية أن ينقذ ما تبقى من مؤسسات التعليم العالي بدل التفرغ للترويج الإعلامي والمؤتمرات الوهمية؟
إن خطورة ما يحدث لا تقف عند حدود التزييف الإعلامي، بل تمتد لتضرب صميم البنية الأكاديمية الجنوبية وحقوق كوادرها وطلابها، وتتهدد مستقبل التعليم نفسه.
فهذا العبث يهدد بعدّة مستويات:
حقوق أعضاء هيئة التدريس:
تجاهل تام لمعاناتهم، وممارسة منهجية للتجويع والتهميش، لدفعهم نحو ترك العمل الأكاديمي أو القبول بالأمر الواقع، مما يُفرغ الجامعات من كفاءاتها الوطنية.
الجامعات الحكومية الجنوبية:
تُدفع نحو الشلل الكامل، في مقابل فتح الأبواب للجامعات الحزبية لتكون البديل المموّل والموجّه، ما يشكل خطرًا استراتيجيًا على استقلالية التعليم.
العدالة التعليمية ومكتسبات الجنوب:
التعليم المجاني وتكافؤ الفرص كانا من أهم منجزات استقلال شعب الجنوب، واليوم يتم تفكيك هذه المنجزات، وإعادة إنتاج الطبقية والولاءات، على حساب مبدأ العدالة والمعرفة للجميع.
المُدهش والمؤلم في آنٍ معًا: صمت المجلس الانتقالي الجنوبي، وسكوته عن هذا العبث، بل وفتح المجال لوزارة الوصابي للتحرك بحرية داخل العاصمة عدن، وتمرير أجندات حزبية خطيرة عبر التعليم.
إننا نطالب بوضوح بـ:
الكشف عن مصادر تمويل المؤتمرات والأنشطة الأخيرة في عدن، ومصيرها.
إيقاف كل الأنشطة التي تُقام باسم التعليم دون وجود تعليم فعلي.
اتخاذ موقف رسمي وواضح من المجلس الانتقالي تجاه الوزير الوصابي وسياساته.
فتح تحقيق شفاف في أسباب انهيار التعليم، والمسؤولين عنه، وخاصة في الجامعات الحكومية الجنوبية.
وندعو الدول المانحة والمنظمات الدولية والإقليمية إلى إعادة النظر في طريقة تمويل قطاع التعليم، وعدم الانخداع بالعروض الشكلية والمؤتمرات الزائفة، وتوجيه الدعم مباشرة نحو جوهر المشكلة الحقيقية: رواتب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس.
فلا معنى لأي "دعم تعليمي" في ظل تجويع من يُفترض بهم قيادة العملية التعليمية، وغياب الحد الأدنى من الأمان الوظيفي والمعيشي لهم.
ختامًا، نؤكد أن التعليم الجامعي ليس ملكًا لحزب أو وزير أو جهة نافذة، بل هو قضية سيادية ووطنية، وأي مساس به هو مساس بمستقبل الأجيال، وبكرامة الجنوب الذي ناضل طويلاً من أجل حرية العلم والمساواة.