*- شبوة برس - المحامي جسار فاروق مكاوي
في لحظة فارقة من مسار الصراع اليمني، تتكثف الضربات الجوية لقوى التحالف العربي باستهداف مباشر لمعاقل الجماعة الحوثية في شمال اليمن، في إطار تصعيد عسكري يهدف إلى تقويض قدراتها الهجومية، وتصفية قياداتها الميدانية التي شكّلت تهديدًا حقيقيًا للملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن. هذه الضربات، التي كان يفترض أن توحد الصف الوطني في مواجهتها لمشروع إيران وأذرعها بالمنطقة، تُقابل ـ ويا للمفارقة ـ بتحركات مريبة من أطراف داخل ما يسمى بالشرعية، تضع الجنوب مجددًا في مرمى الاستهداف السياسي والأمني والإعلامي.بدلًا من توحيد الصفوف كما دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي، تسعى بعض القوى ـ وعلى رأسها تيار الإخوان المسلمين ـ لحرف بوصلة المواجهة باتجاه الجنوب، وتحديدًا نحو حضرموت، عبر سلسلة خطوات تهدف إلى خلق بؤرة توتر جديدة تُربك المشهد وتشتت المواقف، في محاولة لصرف الأنظار عن المعركة المصيرية ضد الحوثي.هذا المسار لا يمكن فهمه بمعزل عن الحملة الإعلامية الموازية التي تقودها قنوات الإخوان، والتي باتت تدير المشهد إعلاميًا وسياسيًا، وتعمل على التحريض الممنهج ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، وتشويه نضالاته، وتهديد مكتسبات القضية الجنوبية، بل والسعي إلى تفريغها من محتواها التحرري، وتحويلها إلى مجرد أداة للابتزاز السياسي والمناورة الحزبية.
حضرموت، المحافظة التي عرفت عبر تاريخها بالاتزان والاعتدال، تتعرض اليوم لمحاولة استغلال بشعة من قبل أطراف ترى في استقرارها تهديدًا لنفوذها، وفي تمسك أهلها بالهوية الجنوبية خطرًا على مشاريعها. لقد سبق لقيادات في حزب الإصلاح الإخواني أن صرّحت صراحةً برغبتها في السيطرة على حضرموت وإبعادها عن مشروع الجنوب، وما يحدث اليوم هو مجرد تنفيذ لتلك النوايا التي أُعلنت غير مرة.من الواضح أن هناك مشروعًا موازيًا يسير بالتوازي مع مشروع الحوثي، هدفه تقويض الجنوب من الداخل، وضرب مكوناته من خلال تغذية الصراعات الجانبية، وتشتيت القوة السياسية الجنوبية الموحّدة خلف الانتقالي. هذا الاستهداف المزدوج ـ الحوثي والإخواني ـ لا يصب إلا في مصلحة القوى المعادية التي تسعى لإجهاض أي مسار تحرري أو وطني حقيقي في الجنوب.إن مسؤولية القوى الوطنية في الجنوب، وفي حضرموت تحديدًا، تقتضي اليوم وعيًا أعلى، وتحركًا أكثر نضجًا، لمواجهة هذا المشروع الإخواني المتسلل عبر الشرعية، ورفض الزج بالمحافظة في أتون صراع سياسي وعسكري يخدم أجندات خارجية لا علاقة لها بمصلحة الجنوب ولا بالاستقرار المنشود.على المجلس الرئاسي أن يدرك خطورة التراخي أمام هذا الانحراف في المسار، وأن أي صمت عن محاولات تفجير الوضع في الجنوب هو تواطؤ غير مباشر مع المشروع الحوثي ـ الإيراني، وإن اختلفت أدوات التنفيذ. كما أن على التحالف العربي أن يُعيد النظر في تركيبة القوى التي يتعامل معها، فليس من المنطق أن تُقصف معاقل الحوثي في الشمال، بينما تُترك جبهات أخرى تُفتح على الجنوب في ذات الوقت.لقد أثبت الجنوبيون ـ في كل مراحل الصراع ـ أنهم صمّام أمان للمنطقة، وأنهم أول من وقف في وجه الحوثي والإرهاب، لكن استمرار هذا الاستهداف الداخلي، سياسيًا وإعلاميًا وأمنيًا، يضعف الجبهة المناهضة للمشروع الإيراني، ويعيدنا إلى مربع الصراع العبثي.إن الجنوب ليس ساحة تصفية حسابات، ولا أرضًا سائبة لمن هبّ ودبّ، بل هو اليوم ركيزة أساسية في معادلة الأمن الإقليمي والدولي. ومن العبث محاولة كسره أو تطويعه لمشاريع حزبية مريضة، فقد تجاوز الجنوب تلك المرحلة، ولن يسمح بعودتها، لا في حضرموت، ولا في غيرها.