لمن الشرعية؟: بين مجلس شيوخ منتخب أم لجنة مركزية الاشتراكي في الجنوب؟

2025-04-05 21:23
لمن الشرعية؟: بين مجلس شيوخ منتخب أم لجنة مركزية الاشتراكي في الجنوب؟
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

خاص وحصري: لـ "شبوة برس" – د حسين لقور بن عيدان

في الجنوب، حيث تتشابك التحديات السياسية والتاريخية والاجتماعية، يبرز جدل مستمر حول طبيعة الحكم والشرعية الأصلح. ومع تصاعد الدعوات لاستعادة الدولة الجنوبية، بعدما برزت مقترحات لتشكيل مجلس شيوخ يمكن انتخابه ليمثل التنوع الاجتماعي، يضم ممثلين عن مختلف مكونات الجنوب الاجتماعية والجغرافية، مقابل ما كان من سيطرة لنموذج حزبي مركزي في سلطة الحزب الاشتراكي تفتقر إلى التمثيل الشعبي الحقيقي، من خلال قرارات اللجنة المركزية الملزمة كما في الأنظمة الشمولية. هذا النقاش يعبر عن صراع أعمق بين رؤيتين متناقضتين: الأولى تحترم التنوع والتعددية، والثانية تسعى لاحتكار السلطة وفرض رؤية أحادية.

 

تاريخيًا، كان الجنوب العربي يتميز بتعددية سياسية واجتماعية فريدة، حيث لعبت المكونات المحلية، مثل السلاطين والمشايخ والأمراء والأحزاب السياسية قبل الاستقلال، دورًا محوريًا في إدارة شؤون مجتمعاتها. هذه الهياكل التقليدية لم تكن مجرد أدوات حكم، بل جسدت علاقة مباشرة بين السلطة والمجتمع، قائمة على العرف والعدالة الاجتماعية والقناعة السياسية. ومع إعلان الاستقلال في 1967، تم تفكيك تلك البنية الاجتماعية والسياسية بالقوة لصالح سلطة مركزية حزبية، قادت الجنوب إلى تجربة شمولية ألغت التنوع وأضعفت النسيج الاجتماعي.

 

اليوم، ومع تصاعد النقاشات حول مستقبل الجنوب، تبرز فكرة تشكيل مجلس شيوخ جنوبي كفكرة في إطار النضال لاستعادة روح التعددية، في مقابل نموذج اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الذي هيمن لعقود وأدى إلى تهميش قطاعات واسعة من الشعب.

 

لمن الشرعية القانونية؟

مجلس شيوخ مقترح سيستمد شرعيته القانونية من قاعدة شعبية واسعة، حيث يجب أن يتم انتخاب أعضائه أو اختيارهم بشكل يضمن تمثيل جميع المكونات الاجتماعية والجغرافية للجنوب. هذا المجلس يمكن أن يكون منصة للحوار والتوازن بين مختلف القوى، ويعمل على صياغة السياسات التي تعكس إرادة الشعب الجنوبي بكل أطيافه وجهاز ردع لأي خروج عن القانون والسياسة العامة للدولة.

 

في المقابل، كانت اللجنة المركزية التي سادت في الجنوب خلال العقود الماضية هي مؤسسة حزبية مغلقة، لا تستمد شرعيتها من الشعب، بل من الحزب الاشتراكي الحاكم. هذا النموذج أدى إلى احتكار السلطة في يد نخبة محدودة بعضها لا تأثير اجتماعي لها، ما تسبب في تآكل شرعيتها القانونية، خاصة في ظل غياب الانتخابات الحرة وعدم تمثيلها لجميع مكونات الجنوب.

أما من الناحية الأخلاقية، فإن مجلس الشيوخ سيمثل تطورًا نحو العدالة السياسية، حيث يعكس تنوع الجنوب ويضمن مشاركة عادلة لمختلف المناطق والفئات في صنع القرار، فهذه الفكرة تحترم التعددية التاريخية للجنوب، وتعزز من شعور المواطنين بالانتماء إلى دولتهم.

 

أما اللجنة المركزية، فهي نموذج للإقصاء السياسي والصوت الواحد، حيث تكرس سلطة الحزب الواحد وتهمش جميع الأصوات المخالفة. أخلاقيًا، يُعتبر هذا النموذج غير عادل لأنه لا يعترف بحق الجميع في المشاركة السياسية، وهو ما أدى إلى شعور بالظلم والتهميش لدى قطاعات واسعة من المجتمع الجنوبي.

الاختلاف بين المؤسستين لا يقتصر على الشرعية القانونية أو الأخلاقية، بل يمتد إلى تأثيرهما على إدارة الجنوب ومستقبله السياسي.

 

- مجلس الشيوخ المنتخب والمتنوع: 

  - يخلق توازنًا سياسيًا واجتماعيًا من خلال تمثيل كافة المكونات والمناطق. 

  - يساهم في صياغة سياسات تعكس مصالح الشعب الجنوبي بجميع فئاته والحد من تغول الشعبوية. 

  - يعزز من فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي، لأنه يعمل على بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

 

- اللجنة المركزية الحزبية: 

  - تُكرس احتكار السلطة لصالح الحزب الحاكم، ما يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والصراعات داخل مؤسساتها. 

  - تفرض رؤية أحادية على الجنوب، متجاهلة التنوع التاريخي والثقافي. 

  - تساهم في استمرار حالة التوتر السياسي والاجتماعي بسبب غياب التمثيل العادل.

 

من هنا، يبدو الخيار واضحًا بين نموذجين متناقضين. مجلس الشيوخ منتخب ومتنوع يمثل فكرة دستورية في إطار التفكير حول كيفية بناء الدولة الجنوبية بروحها التاريخية القائمة على التعددية والعدالة. هذا النموذج يعزز الشرعية القانونية والأخلاقية، سيضع الجنوب على طريق الاستقرار والتنمية.

 

في المقابل، فإن بقايا الحزب الاشتراكي الذين يحاولون النيل من فكرة إنشاء مجلس شيوخ كغرفة برلمانية ثانية، بينما يرون لجنتهم المركزية كانت مميزة كأداة للحكم، ما يعني الدفاع عن تجربة فاشلة من الهيمنة الحزبية واحتكار السلطة. هذه التجربة أثبتت أنها لا تتماشى مع تطلعات الشعب الجنوبي، الذي يسعى إلى نظام سياسي يعبر عن هويته وتنوعه.

 

إن مستقبل الجنوب يتطلب رؤية جديدة قائمة على احترام إرادة الشعب وتمثيل جميع مكوناته، لأن الشرعية الحقيقية، كما يؤكد التاريخ، تأتي من الشعب وحده، ومجلس منتخب يعكس التنوع الجنوبي هو الطريق الأوحد لتحقيق عدالة سياسية واجتماعية تليق بطموحات الجنوب في استعادة دولته وهويته.

 

د. حسين لقور بن عيدان