كان من المتوقع أن يصل الحوار الوطني إلى المأزق الذي وصل إليه في ظل ذلك التناقض الحاد بين ضخامة وجسامة وخطورة القضايا التي توقف أمامها وتعقيداتها وطبيعتها الشائكة من ناحية وبين قصر الفترة الزمنية المحددة لأعمال المؤتمر، وتشبث الكثير من القوى المشاركة فيه بالماضي ومخرجاته المدمرة وإصرارها على الاستقرار هناك وعدم التزحزح عن هذا الماضي قيد أنملة.
يكمن المأزق الذي يقف أمامه مؤتمر الحوار الوطني في اليمن في جملة من المظاهر أهمها.
1. قصر الفترة المتبقاة لأعمال المؤتمر مقارنة مع القضايا العالقة التي لا يبدو حلها قريبا وسهلا: ففي حين لم يتبقى على أعمال المؤتر إلا أقل من اسبوع، ما تزال الكثير من القضايا عالقة تتطلب عملا أسطوريا حتى يتم إنجازها، وأهم ما ينبغي حسمه مجموعة من القضايا المزمنة وأهمها القضية الجنوبيبة وشكل الدولة وشكل نظام الحكم وشكل النظام الانتخابي، ثم وهو الأهم وضع الآلية العملية للوصول بقرارات المؤتمر إلى حبز الواقع حتى لا يتحول المؤتمر إلى مجرد مجموعة من الأفلام الوثائقية والصور التذكارية لمجموعة من جلسات الجدل.
2. ضيق المدى الزمني لتطبيق مخرجات الحوار: لقد وضعت الفترة الانتقالية المحددة بسنتين لتكون فترة لانعقاد المؤتمر وصياغة مخرجاته وتحويلها إلى تشريعات، وطبعا يكون الدستور الجديد في مقدمتها ثم للاستفتاء عليها والشروع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ضوء كل ذلك، وإذ نعلم إنه حتى اللحظة لم يتم صياغة نص واحد أو نصين كأساس للعهد الجديد ولم يتبق على نهاية الفترة الانتقالية سوى خمسة أشهر فإنه من الواضح أن إمكانية تحقيق مهمات الفترة الانتقالية بمرحلتها الثانية تحتاج إلى معجزة واليمن أعجز من أن تصنع أمور طبيعية فكيف ستصنع معجزة بحجم تلك المنتظرة.
3. إن إعداد القانون الجديد للانتخابات والاستفتاء، وإعداد سجل انتخابي جديد إلكتروني (أو حتى ورقي) يتطلب وحده أكثر من ستة أشهر، وإذا ما أريد الاعتماد على السجل الوطني الذي أشارت إليه اتفاقات سابقة بين السلطة والمعارضة في العام 2006م فإن إنجازه يتطلب أكثر من سنتين، وبغض النظر عن موضوع السجل المدني فإن الوصول إلى انتخابات جديدة واستفتاء جديد في ضوء قانون جديد وسجل اننتخابي جديد، فضلا عن دستور جديد كل ذلك يتطلب ما يزيد على سنتين من الإجراءات العملية، في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني مستقر، فما بالنا واليمنيون يعملون في أجواء مثقلة بالأزمات والتوترات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما يعني أن السنتين ليستا كافيتين لإنجاز مهام الانتقال والشروع في بناء الدولة الجديدة.
4. إن القضايا العالقة وهي بالعشرات وفي مقدمتها القضية الجنوبية، ومن ثم شكل الدولة التي هي الجذر الرئيسي الثاني للمشكلات اليمنية وبعد ذلك شكل نظام الحكم، وغيرها من القضايا المتصلة بشكل اليمن الجديد، كل هذا يحتاج إلى فترة زمنية تتسم بالبيئة الطبيعية لمواصلة بحثها بتمعن ومسئولية وموضوعية حتى يتمكن المتحاورون من الوصول إلى صيغ مقنعة للجميع تضمن الانتقال إلى المراحل اللاحقة بعيدا عن حقول الألغام، ومطبات الخداع والاحتيال.
الذين يتحدثون عن التمسك بالمباردة الخليجية، وهي مبادرة ليست قرآنا منزلا، يأتون بكلمة حق يراد بها عشرات البواطل، فهم إنما يتمسكون من المبادرة بجزيئة واحدة لا معنى لها بدون بقية الأجزاء، إنهم يتحدثون عن انتهاء فترة رئيس الجمهورية وانتخاب رئيس جديد وربما برلمان جديد لكنهم لا يقولون لنا وفقا لأي قانون ووفقا لأي دستور يتم ذلك، وما هو البرلمان الذذي سيقر هذه التشريعات المفصلية والمحورية، هم لا يقولون لنا ما هي الحلول التي قدموها أو سيقدمونها للمعضلات التي صنعوها بأيديهم على مدى ثلث قرن من الزمن، كلما يهمهم هو عودتهم إلى ما كانوا عليه فبل 11 فبراير 2011م مع فارق واحد هذه المرة أن لديهم حصانة تمنع كل ذي حق نهبوه وكل ذي مظلمة ارتكبوها وكل ضحية من ضحاياهم الكثر من أن يسائلوهم ولو أمام القضاء الدولي.
إن المأزق الذي تمر به اليمن مع قرب انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني يضع اليمن أما خيارين لا ثالث لهما: إما الاكتفاء بالفعاليات الاستعراضية التي شهدتها الجلسات المعلنة مع ما قامت به اللجان من أعمال لا يمكن الاستهانة بأهميتها لكنها لا يمكن أن تتحول إلى حلول عملية لمعضلات اليمن المزمنة ما لم تتحول إلى تشريعات وقوانين وهذا يعني العودة باليمن إلى نقطة الصفر وبالتالي يحق لكل المتضررين من النظام السابق ولشباب الثورة خصوصا العودة إلى فعالياتهم الثورية رفضا لتحويل المبادرة الخليجية إلى خدعة للثوار والثورة، أو (وهو الخيار الثاني) مواصلة السير الحثيث نحو تحويل المخرجات التي توصلت إليها فرق العمل إلى قوانين وتشريعات ونصوص دستورية، مع مواصلة البحث الجاد في القضايا الخلافية، وعلى رأسها القضية الجنوبية، للوصول إلى حلول تحفظ جق الناس وتعبر عن تطلعات وآمال المواطنين، وأخص مواطني الجنوب فيما يخض القضية الجنوبية، وفي ضوء كل ذلك تحويل هذه المخرجات إلى عقد اجتماعي جديد يقلع به اليمنيون نحو مرافئ التقدم والنهوض والاستقرار والتنمية والازدهار، وهذا يستدعي إعادة النظر ليس فقط في إمكانية تمديد فترة مؤتمر الحوار إلى شهر أو شهرين للعمل الجاد والوصول بالنتائج إلى مبتغاها، بل والاتفاق على صيغة متوافق عليها لتمديد فترة الرئيس هادي إلى سنة أو سنتين، للتمكن من استمال الإعدادات الدستورية والقانونية للانتقال إلى المرحلة اللاحقة، لكن هذا يستدعي بالضرورة أن تتحول الفترة المقبلة إلى فترة عمل لا يعرف التوقف، والكف عن الابتزاز، وقبل هذا وبعده أن يتصدى الجميع لصانعي العراقيل ومخترعي العوائق لإيقافهم عند حدهم، والسير الحثيث نحو تفكيك المعضلات المتراكمة منذ السبعينات عندما تحولت اليمن من مشروع دولة إلى تركة عائلية وتحول المشروع الوحدوي من مشروع نهوض وشراكة وطنيين إلى غنيمة حرب بيد الناهبين واللصوص، ومن ثم تحولت اليمن شمالها وجنوبها شيئا فشيئا إلى لعبة يتسلى بها مجموعة من الصبية الرعناء خريجي الابتدائيات والثانويات.
كلفتة أعمال مؤتمر الحوار الوطني بحجة انتهاء الفترة المحددة له يعني لملمة الأوراق وترقيع الخروق القائمة على عجل، وترك أكبر القضايا وأكثرها تعقيدا وأشدها سخونة بلا حلول وهو ما يعني إبقاء مجموعة من الألغام القابلة للانفجار في أي لحظة، وهو ما يتمناه المستعجلون الذين يريدون أن يثبتوا فشل الثورة وفشل المبادرة وفشل الجميع وأنهم وحدهم المؤهلون لقيادة البلد بعد أن أثبتوا فشلهم لثلث قرن متواصل.
برقيات:
قرار الرئيس هادي بإعادة 750 ضابطا إلى القوات المسلحة والأمن جاء، مخيبا لآمال عشرات الآلاف ممن أبعدوا قسرا من أعمالهم العسكرية والأمنية والمدنية، . .إذا كانت هذه هي حصيلة عمل سنة للجنة معالجة قضايا المبعدين فمتى ستنتهي اللجنة من رفع الظلم عن أكثر من 110000 الف عسكري ومدني من أبناء الجنوب، ممن أبعدتهم حرب 1994م عن أعمالهم، . . .لن أعلق على ما ورد في صفحة الوزير السابق حمود الهتار فيكفي أن يقرأه مستشارو الرئيس هادي.
قال الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران:
أجـــــلت بتلك الرسوم لحاظاً يغالب فيـــــــها السرور البكاء
فــــــما ارتهن الطرف إلا مثالٌ عتـــــــيق الجمال جديد الرواء
مــــــــــثالٌ لإيزيس في صلدهِ تحـــــس الحياة وتجري الدماء
يروعك من عطــــــــــفهِ لينهُ ويرويك من رونق الوجه ماء
به فــــــجر الحسن من منبعٍ فيا عجـــــــــــباً للرمال الظماء
فـــــتون الدلالِ وردع الجلالِ وأمر الحـــــــــياة ونهي الحياء
فأدركت كيف استبت عابديها بسحر الجــــــــمال وسر الذكاء