تركيا ترسم مستقبل سوريا بخارطة طريق دستورية

2025-03-14 05:17
تركيا ترسم مستقبل سوريا بخارطة طريق دستورية
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

الإعلان الدستوري جزء من خارطة طريق تركيّة لسوريا معدّة سلفا

توقيت مبادرات الشرع يهدف إلى إشغال السوريين عن أحداث الساحل... مبادرات لتثبيت النظام الجديد

 

*- شبوة برس – العرب دمشق – 

يسير كل شيء في سوريا وفق الترتيبات التي وضعتها تركيا ضمن خارطة الطريق التي أعدتها لإسقاط الرئيس السوري السابق بشار الأسد وتنصيب حكم إسلامي موال لها، مستفيدة من تعقيدات سياسية وأمنية في المنطقة. ويمضي الأتراك قدما في تنفيذ الخارطة بدقة متناهية وفق مراحل تعبر عنها المبادرات التي يعلن عنها الرئيس السوري أحمد الشرع وعلى رأسها ختم الإعلان الدستوري، والتي تهدف إلى طمأنة السوريين وإشغالهم عن أحداث الساحل السوري وما خلفته من جرائم ضد الطائفة العلوية.

 

والخميس بدأ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن زيارة إلى دمشق، لإجراء مباحثات رسمية. وقالت وكالة الأناضول إنه من المنتظر أن يلتقي المسؤولون الأتراك في إطار الزيارة بنظرائهم السوريين ورئيس البلاد أحمد الشرع.

 

ويرى مراقبون أن هذه الزيارة، التي تشمل مشاركة أهم الشخصيات السياسية والاستخبارية التركية، تظهر أن أنقرة تراقب ما يجري في سوريا عن كثب، وأنها لا تترك شيئا للصدفة، وخاصة الملف الأمني.

 

زيارة أبرز الشخصيات السياسية والاستخبارية التركية إلى دمشق تظهر أن أنقرة تراقب ما يجري في سوريا عن كثب

 

ووجود فيدان، الرجل القوي والذراع اليمنى للرئيس رجب طيب أردوغان والذي يمثل وفق مختلف القراءات البديل المستقبلي في تركيا، أكبر دليل على أن هدف الزيارة هو الوقوف على الوضع وتقييم الخطوات التي تم قطعها إلى حد الآن والتخطيط لتنفيذ عناصر جديدة في الخطة بما يتماشى مع مرور الوقت وحالة الاستقرار السياسي والأمني في سوريا.

 

وتوقيت الزيارة مهم، حيث تأتي بعد الهجوم على الساحل السوري والتداعيات السلبية التي خلفها على صورة الإدارة الجديدة، والحاجة إلى اتخاذ خطوات لتطويق الغضب الشعبي في الساحل، وتهدئة مخاوف بقية الطوائف، وخاصة امتصاص الغضب الدولي على الهجوم.

 

ولا يتعلق الاهتمام التركي بالترتيبات الأمنية مع دمشق، فهذه تعتبر تحصيل حاصل، وإنما هو ينصب على اتخاذ مبادرات لكسب تعاطف جزء من النخبة السورية وتحييد الجزء الآخر، من ذلك تشريك العشرات في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد قبل أيام.

 

ويأتي ضمن سياق التهدئة وكسب ثقة النخبة السورية والحركة النسوية، ذات النفوذ الذي يخشاه الإسلاميون، ختم الشرع الخميس مسودة الإعلان الدستوري وما شمله من تعهدات بشأن “حق المرأة في العلم والمشاركة في العمل وكفل لها الحقوق السياسية،” وكذلك “حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.”

 

كما عمل معدو مسودة الإعلان الدستوري على طمأنة جمهور الإسلاميين وكذلك الجمهور السوري المنتمي إلى الطائفة السنية التي لديها ثقل شعبي، وهي التي تحمي بقاء النظام الحالي، من خلال الاعتماد على الفقه الإسلامي “الذي يعد ثروة حقيقية لا ينبغي التفريط فيها” كمصدر رئيسي للتشريع.

 

وليس معروفا ما إذا كان السوريون سيعارضون هذا الإعلان الدستوري عبر الاستفتاء أم سيتم تمريره ضمن موجة التغيير الحاصلة في البلاد. وما يخيف الناس هو الانفلات الأمني، أما الكلام عن الصياغات الدستورية وما يترتب عليها فإن الشعوب في العادة لا تنتبه إليه، ربما تنتبه عندما يتأخر وقت الانتباه، وتجد نفسها أمام سلطات رئيس أو مجلس تسيطر على كل شيء.

 

وضمن سياسة تأمين استمرار النظام الجديد تم الإعلان عن “تشكيل مجلس الأمن القومي (…) يعهد إليه تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية،” ويهدف إلى حماية النظام ووضع خطط لحمايته من أي ارتداد أو انقلاب، في استنساخ للتجربة التركية؛ حيث نجح أردوغان في تطويق سلطته بحزام أمني واستخباري قوي أفشل محاولة انقلاب 2016 وتمكن من تفكيك نفوذ القوى المناوئة له عبر اعتقالات واسعة في مختلف المؤسسات وخاصة في الجيش.

 

وفي هذا السياق قال زيد سفوك ممثل الحركة الكردستانية في سوريا إن توقيع الإعلان الدستوري من قبل الشرع وتشكيل مجلس الأمن القومي وتثبيت مرحلة انتقالية بخمس سنوات ستسبب انقساما داخليا وستفرض معادلة جديدة: نظام جديد ومعارضة جديدة.

 

وأضاف لـ”العرب”: “يبدو أنه لم يعد هناك خيار ثالث أو مجال للحياد في مستقبل سوريا الجديدة؛ طاولة حوار تضم ممثلي كافة مكونات الشعب، وحدها التي يمكن أن تنقذ سوريا وتعيد الأمان والسلام.”

 

زيد سفوك: طاولة حوار تضم ممثلي كافة مكونات الشعب، وحدها التي يمكن أن تنقذ سوريا وتعيد الأمان والسلام

 

وتركز الخطة التركية، التي تهدف إلى توفير الاستقرار لنظام حليفها الشرع، على الانفتاح على قوى طائفية وعرقية وتقديم مشاريع اتفاقيات لفائدتها لقطع الطريق على أي محاولة لتوظيفها في تخريب تجربة حكم الإسلاميين الفتية. وكان واضحا نجاح هذه الخطوة، حيث تزامن الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد) والفعاليات الدرزية في السويداء مع الهجوم المروع على الساحل، ما مكن من تحييدهما وعزل العلويين بانتظار اتفاق آخر معهم لا يقدم المزايا نفسها التي قدمت إلى الدروز والأكراد.

 

وضمن سياسة الطمأنة وشراء ثقة الشارع، يأتي الدعم القطري لسوريا من خلال العرض الجديد بشأن توزيع الغاز. والخميس قالت ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر إن قطر ستبدأ تزويد سوريا بالغاز عبر الأردن لتعزيز إمدادات الكهرباء الهزيلة في البلاد ودعم حكامها الجدد، وذلك في خطوة قال مسؤول أميركي إنها تحظى بموافقة من واشنطن.

 

وسيكون هذا الدعم الملموس الأكثر أهمية للإدارة الجديدة في دمشق من جانب قطر، التي تشترك مع تركيا في التغيير الذي حصل في سوريا. وكان دورها فعالا وطويل الأمد منذ 2011 إلى الآن عبر التمويل والتسليح.

 

ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء عن القائم بأعمال السفارة القطرية في سوريا خليفة عبدالله آل محمود الشريف إعلانه “مبادرة لتوفير إمدادات معتمدة من الغاز الطبيعي لسوريا عبر الأراضي الأردنية لمدة محددة.” وقال مسؤولان أردنيان إنهما لا يعلمان بوصول غاز قطري بالسفن خلال الأيام المقبلة. وقال مسؤول آخر إنه من الممكن توريد الغاز بتمويل قطري.

 

وتهدف الخطوة إلى طمأنة الشارع السوري، الذي يعيش أوضاعا اقتصادية صعبة منذ بداية الحرب في 2011، بأن المرحلة الجديدة لن تقف عند التغيير الشكلي، وأن الاستقرار الأمني والسياسي سيصب في صالح السوريين ويحسّن وضعهم المعيشي، وأن تحسين فرص الحصول على الكهرباء سيكون خطوة أولى.

 

ويعتبر موضوع الكهرباء مقياسا جديا للتغيير؛ فإما أن يعطي إشارة واضحة إلى وجود أمل أو يوفر مسوغا لحكم مسبق على فشل المرحلة الجديدة.