السياسة تُشبه مباراة في كرة القدم أو الكرة الطائرة، مع اختلافات جوهرية بينهما. في كرة القدم، رغم كل اجتهادك ومهاراتك، يبقى للحظ دور حاسم في الفوز أو الخسارة. أما في الكرة الطائرة، فالاجتهاد والاحترافية وحدهما هما من يحددان النتائج، عبر كسب النقاط خلال الأشواط الخمسة، وإتقان إرسال الكرات نحو ملعب الخصم.
السياسة ليست ببعيدة عن هذا المشهد؛ فقد تفوز بضربة حظ نتيجة خطأ من الفريق المنافس، أو تخسر نتيجة خطأ يستثمره الآخرون ضدك. الأخطاء في السياسة قد تأتي من غياب الانسجام أو سوء إدارة المدرب للفرص، كاعتماده على لاعب أو اثنين فقط لتحقيق الفوز، متجاهلًا أهمية الفريق ككل. أما في الكرة الطائرة، فالنجاح يتطلب انسجامًا، تبادلًا للأدوار، واحترافية في التخطيط والتنفيذ، قد يبرز اللاعب الذي يجيد الارتقاء وضرب الكرات بقوة ليفرض نفسه ويحقق النقاط الحاسمة.
لكن لنترك الرياضة جانبًا ونعود إلى السياسة والصحافة. قرأت ذات يوم أن السياسة "مجردة ولا أخلاقية"، فيما قال آخر إن الصحافة "تخضع لمن يدفع". ربما هذا يعكس حقيقة واقع يسوده البحث عن "المادة"، حيث يُمارس الجميع جهادًا يوميًا للحصول على المال.
حتى التسول لم يقتصر على أولئك الذين نراهم في الطرقات، بل أصبح أداة يستخدمها البعض بطرق أكثر قبحًا. رأينا من يتسول باسم الوطن والقضية، ثم يعود ليتسول مرة أخرى تحت شعارات مختلفة. كمن يدّعي حاجة أسرته للقوت اليومي، ليجمع المال بحجة "ثمن أجرة الحافلة"، بينما يمتلك حسابًا بنكيًا لا يعكس حاجته المزعومة.
التسول، سواء كان مباشرًا أو مغلفًا بطرق خادعة، يجرّد الإنسان من قيمته ويشوّه صورته. حتى الحصول على المال تحت عناوين المجاملة أو بطرق غير مشروعة هو تسول بسبق الإصرار.
لذلك، يكفي أن نُدرك أن الاحترام الحقيقي للذات يكمن في الكفاح الشريف والاعتماد على العمل الجاد، بعيدًا عن استغلال الآخرين، اما السياسة والصحافة والأدب والفن، كلها ساحات للمنافسة، قد تخسر في مرحلة ما، ثم تعود لتكسب، فالخسارة والفوز أمران واردان في جميع جوانب الحياة. لكن الأهم هو أن تحافظ على أخلاقك وقيمك في كلتا الحالتين. إذا أدركت فوزك وخسارتي، احتفل بنجاحك بكرامة، ولا تدع فرحتك تقودك إلى شتمي أو الانتقاص مني. خسارتي كانت سببًا في سعادتك، والمسألة أبسط مما تظن؛ فلا داعي لوصف الفريق الخاسر بأنه مجموعة من الأغبياء أو الكذابين أو الدجالين.
إن كنت ترى ذلك، فلماذا اخترت أن تلعب أمامهم لمدة 90 دقيقة؟ فكر بعقلانية، وتذكر أن الأخلاق هي السمة التي تميز الإنسان الحقيقي. ولا تنسَ أن الفريق المهزوم اليوم قد يتمكن في المستقبل من سلبك "فرحة الفوز". لذا، اجعل سلوكك انعكاسًا لاحترامك لنفسك وخصمك على حد سواء.
انا هنا لا أقر بالهزيمة، ولكن فالنتيجة "صفرية"، والشباك لا تزال عذرية، والمباراة في دقائقها الأولى، فالوهم الحقيقي، هو الحديث عن الفوز، في الوقت لا تزال المباراة في بدايتها، مع العلم ان الأفضلية في الملعب ليست لك، فما يحدث هي "هفوات، وغياب الانسجام"؛ لا يعنيان انك كسبت المباراة، أو انك قد تفوز، المباراة في البداية فأحتفظ بأخلاقك أكرمك الله.
والله المستعان
#صالح_أبوعوذل