تحطّم الميزان !
*- شبوة برس – متابعات دولية
النظام العالمي الذي قام على الهيمنة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، آن له أن ينهار، فالأحداث والوقائع التي بدأت تطفو على السطح تُشير إلى تجهيز العدّة لعالم جديد متعدد الأقطاب تُنقل فيه موازين القوى العالمية من الغرب إلى الشرق، وأخص بالذكر الصين التي بدأت تظهر كقوى مهيمنة في الشرق فلم يعد من المنطق إنكار أن النفوذ الصيني في تزايد مستمر على الصعيد الإقتصادي، والعسكري والسياسي، ولعلّ مِن أبرز الدلالات على تصاعد النفوذ الصيني هي مبادرة "الحزام والطريق" -والتي تحدّثت بها سابقًا- والتي تسعى الصين من خلالها إلى إنشاء شبكة من البنى التحتية العالمية لربط كلّ من آسيا بأفريقيا وأوروبا عبر خطوط تجارية مما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا واستراتيجيًا هائلًا، أمّا على المستوى العسكري والذي بات لا يخفى على أحد تطوّره الرهيب، فالنفوذ العسكري الصيني بدأ بالتزايد في بحر الصين الجنوبي والذي يضع حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في شرق الأرض في مواجهة مباشرة وتهديد صريح مع الصين التي تسعى لفرض إدارتها هناك.
أمّا الولايات المتحدّة والتي تشهد في الآونة الأخيرة حالة من الاضطراب السياسي الداخلي والخارجي، هذه الاضطرابات العديدة تشكّل تهديدًا واضحًا لمكانة الولايات المتحدة ك"راعية للأمن والسلم العالميين" تضعف من مكانتها كقوى عظمى ومهيمنة، فالتحديات السياسية الداخلية والإنقسامات الحادّة وأزمة الديون الكبيرة التي تواجهها الإدارة الأمريكية، وكثير من التحديات الإجتماعية والثقافية تنخر الداخل الأمريكي، كل هذه العوامل سيكون لها دور كبير ومؤثّر بالسلب في توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه حلفائها وأعدائها، بل وسيجعل توجيهها صعب وخطير لإنعدام التوافق داخل المؤسسات الأمنية والإستراتيجية، خاصة بحضور ترامب الذي يتبنى سياسات يمينية براغماتية متطرفة متهوّرة، والذي يُهدد في حال خسارته الإنتخابات بإشعال حرب أهلية بين مناصريه والدولة، وشيء آخر يُهدّد به ترامب في حال فوزه حلفاءه في الناتو بالإنسحاب إذا لم يدفعوا حصص أكثر، وضغط الإدارة الأمريكية الحالية على الأوروبيين واستنزافهم لدعم الجبهة الأوكرانية، جعل من بعض الدول الأوروبية تشعر بالضغط والتهديد الوجودي كفرنسا مثلًا والتي قد نراها تتجه للتحالف مع الصين للتخلص من التسلّط الأمريكي .
أما بالعودة للشرق حيث الهند وروسيا الّلتان وقعتا اتفاقية اقتصادية تجارية كبيرة قبل أيام، فالهند تعمل على توسيع نفوذها وبناء تحالفات لتستطيع مجابهة التهديد الصيني الذي بدأ يحيط بها ويستولي استراتيجيًا على شراكات عديدة، خاصة في تعاون الصين واهتمامها بالعلاقات مع باكستان وأهم ما في ذلك مرور خط التجارة بين الصين وباكستان يإقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند، وهذا لا يُنسينا أن للهند شراكاتها الكثيرة مع دول حافة المحيط الهندي"كمبادرة خليج البنغال" مع سيريلانكا وبوتان وتايلاند وميانمار و...غيرهم، ولكن الاضطرابات السياسية المزمنة التي تُعاني منها دول حافة المحيط تَحول بين دوام تلك الشراكات، لذا تتجه الهند حاليًا لتعزيز شراكاتها أكثر مع روسيا لضمان التوازن الإستراتيجي لكبح النفوذ الصيني، بينما تواصل روسيا سياساتها التوسعية في أوروبا وآسيا الوسطى وأفريقيا، مستفيدة من أي فراغ تتركه الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين .
إذن نحن على أعتاب نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وسيكون للقوى الإقليمية بصمة كبيرة في تشكيل ملامح السياسة العالمية المُرتقبة، هكذا تَحوّل كبير في المشهد العالمي سيجعل من إدارة الصراعات بمثابة تحدي كبير للقوى المهيمنة التي تُحاول الآن لملمة النفوذ الذي يتسرّب من بين يديها، فإشارات وقوع صراعات إقليمية وانقلابات داخلية سياسية وعسكرية تتزايد بشكل كبير مهيئة المشهد لتوازنات جديدة تُغيّر السياسات والتوجّهات لكل الدول .
وما أخشاه أن تكون أراضينا العربية كالعادة ساحة لتلك التصفيات والتقلّبات .!!!!