من أسخف ما يجتاح الأخبار والتحليلات القادمة عبر شبكة التواصل الاجتماعي أن يتم نشر خبر كارثي كخبر اختطاف الحوثيين لثلاث من طائرات شركة الطيران اليمنية، واحتجازها في صنعاء وإيقاف استقدام 5000 حاج يمني ينتظرون عودتهم إلى بلادهم بعد أن أنهوا مناسك الحج لهذا العام، فينبري أحدهم وهو كاتب معروف ويعتقد أنه محلل سياسي محترم متسائلا: كيف ثلاث طائرات تنقل خمسة آلاف؟ يعني كم سعة الطائرة؟ وينسى فحوى القضية الرئيسية التي تجعل كل العالم يعرف أن الشرعية التي تحاور الحوثيين في العاصمة العمانية مسقط بغرض الوصول إلى سلامٍ دائم في اليمن، أقول إنها لا تتحاور إلا مع عصابة مكتملة الشروط والأركان.
السؤال الأساسي كيف حصلت هذه النتيجة الكارثية؟ ولماذا؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات، في الوقت الذي يدور فيه حديث علني عن توقيع اتفاق نهائي لحل الأزمة اليمنية بين الشرعية اليمنية برئاسة الدكتور رشاد العليمي والحوثيين برئاسة عبد الملك الحوثي؟
ظاهرة خطف الطائرات ليست الحالة الأولى في اليمن؟ وهي لا تختلف عن ظواهر خطف الدبلوماسيين والسواح الأجانب خلال فترة حكم عفاش، لكن الجديد أن الخطف هذه المرة يأتي من قبل جماعة تتحكم في كل مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) وتقدم نفسها للعالم على إنها هي اليمن، ولا يمن سواها، والمخطوف هو حكومة يمنية شرعية يعترف بها العالم كله ولا ينكر شرعيتها إلا الحوثيون وأنصارهم من أذرعة إيران في المنطقة.
السؤال الآخر هو: ما خلفيات هذه الحادثة وكيف لم تتخذ الإجراءات الوقائية للحيلولة دون حصولها؟
من السابق لأوانه إصدار الأحكام القطعية بشأن مقدمات وخلفيات الحدث وملابساته، وحيثياته الخفية، لكن الإعلام الحوثي والمتعاطفين معه بما في ذلك إعلام إسطنبول يقولون أن خطف الطائرات الثلاث وما قد يليه من أحداث مماثلة قد جاء رداً على إجراءات محافظ البنك المركزي الأخ أحمد غالب المعبقي الخاصة بوقف التعامل مع البنوك التجارية في صنعاء التي لا تتعامل مع البنك المركزي في عدن، وهو تفسير له منطقيته، لكن هذا بدوره يثير أسئلة لا حصر لها منها:
هل فكرت الحكومة وهي تتخذ إجراءات البنك المركزي بردود فعل الحوثيين؟ وهل توقعت أن قرارات البنك ستمر دونما ردود أفعال؟ ومن سمح للطائرات بالتوجه إلى صنعاء دون الأخذ بالاعتبار هذه الأجواء الملبدة؟ وأخيراً من الذي يحاور في مسقط عصابة تمارس السطو والاختطاف وتبتز شركائها الذين تنوي أن تقيم معهم حكومة شراكة مستقبلية قابلة للديمومة والاستمرارية؟
من الواضح أننا إزاء ثلاث أو أربع حكومات شرعية في عدن كل واحدةٍ منها تعمل بمعزل عن الأخرى ولا تأبه لما تقوم به شقيقاتها الأخريات!!
فحكومة أحمد غالب صاحب البنك لا تنسق مع حكومة عبد السلام حميد صاحب الطائرات،
المخطوفة، وهذه لا تنسق مع حكومة رشاد العليمي الذي تتحاور حكومته مع الحوثيين في مسقط من أجل بناء سلام شامل في اليمن، أما حكومات المحافظات التي تتعرض للعدوان الحوثي كل يوم، ويخوض مواطنوها حرباً ضروساً ضد تلك المليشيات الإجرامية وتقدم يومياً أعداداً من الشهداء والجرحى في كل من الضالع ولحج-الصبيحة ويافع والبيضاء وشبوة ولودر ومكيراس فلا عزاء لها ولا اعتبار لتضحيات ابنائها ومواقف أهلها، لأنها غير ممثلة في أي من الحكومات المشار إليها أعلاه.
بينما قد تعتبر حكومة رشاد العليمي، وهي تحاور في مسقط، وضع الطائرات المخطوفة كوضع هدية الأخ لأخيه كعربون جدية وبناء الثقة وشهادة وفاء على إصرار الحكومة الشرعية على استكمال المباحثات والوصول إلى سلام شامل مع الحوثيين، حتى لو خطفوا كل أصول البنية التحتية للشرعية بعد أن خطفوا مليارات الدولارات من الودائع في البنك المركزي ومئات المليارات اليمنية من أملاك هيئة التأمينات اليمنية، وجميع العائدات، والأصول العينية المنقولة وغير المنقولة المملوكة للدولة اليمنية (المفترضة)، وحتى لو قتل الحوثيون كل المواطنين في المديريات والمحافظات التي يشنون عليها حربهم العدوانية!!
أي لوحة سريالية تلك التي تتبلور أمام جميع الناظرين على هيئة ألغاز عصية على الفهم حتى على العباقرة والأفذاذ؟؟
والبقية تأتي . . .