مصر تتحدى التطورات الإقليمية وتقرر ازدواج ممر قناة السويس

2024-03-06 04:29
مصر تتحدى التطورات الإقليمية وتقرر ازدواج ممر قناة السويس
شبوه برس - متابعات - اخبارية

 

تعظيما للاستفادة المالية أم استباقا عمليّا لمنافسة مشاريع أخرى.

 

*- شبوة برس – العرب

التوسعة ضرورة أم مغامرة

القاهرة – قررت مصر تحدي التطورات الإقليمية التي أثرت سلبا على إيرادات قناة السويس ويمكن أن تتزايد خسائرها، وأعلنت عزمها دراسة توسيع ممر القناة ليصبح طريقا مزدوجا كاملا من الشمال إلى الجنوب.

 

وبدا الإعلان عن هذه الخطوة مجازفة اقتصادية تُقْدم عليها الحكومة، غير أن دوائر قريبة منها أكدت وجود دراسات علمية لتعظيم أهمية قناة السويس في ظل ما تردد حول تدشين ممرات إقليمية عملاقة، أبرزها خط يربط بين الهند والخليج حتى أوروبا.

 

وكشفت هذه الدوائر لـ”العرب” أن التفكير في التوسعة الجديدة هدفه تقليل فرصة منافسة قناة السويس في المستقبل وتطويرها بما يعزز مركزيتها في مجال التجارة العالمية، مع تلاشي الأخطاء الاقتصادية والسياسية في التوسعة السابقة.

 

والاثنين أكد رئيس هيئة قناة السويس المصرية الفريق أسامة ربيع دراسة مشروع الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة، بما يسمح برفع تصنيفها وزيادة تنافسيتها وقدرتها العددية والاستيعابية لكافة فئات وأحجام سفن الأسطول العالمي.

 

جاء حديث ربيع في وقت تشهد فيه القناة انخفاضا في الإيرادات منذ بداية العام الجاري يتراوح بين 40 و50 في المئة، بسبب تحويل عدد من شركات الشحن سفنها بعيدا عنها عقب شن جماعة الحوثي في اليمن عمليات عسكرية عند مدخل البحر الأحمر.

 

وقناة السويس مصدر رئيسي للعملة الأجنبية في مصر المثقلة بديون تبلغ نحو 165 مليار دولار، وأنفقت الحكومة نحو 8.2 مليار دولار على توسعة سابقة للقناة، افتتحت عام 2015 وتضمنت إنشاء ممر مائي مواز بلغ نحو 35 كيلومترا.

 

وزادت إيرادات قناة السويس تدريجيا، ووصلت إلى 9.4 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي قبل أن تنخفض بداية هذا العام بسبب هجمات الحوثيين.

 

وأوضح الخبير الاقتصادي ياسر عمارة أن الوقت الحالي ملائم جدّا لتوسعة المجرى الملاحي لقناة السويس، مع تراجع حركة المرور الذي يسمح بانسيابية نسبية في العمل، ومراعاة أن التوترات الحالية في جنوب البحر الأحمر وقطاع غزة وضعٌ مؤقت.

 

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تكاليف التطوير لا تمثل عبئا على الموازنة العامة للدولة، لأن القناة لها عوائدها وصناديقها الخاصة، والحكومة تعمل على تعزيز الموارد من خلال طرح شركة الرباط التابعة للقناة في البورصة المصرية، وهو خطوة سوف توفر سيولة إضافية خلال مراحل عمل المشروع”.

 

وتشمل عملية الدراسة التي تستمر 16 شهرا تحديد الجدوى المالية والدراسات البيئية والهندسية والمدنية وبحوث التربة والتكريك، بالتعاون مع شركات عالمية كبيرة.

 

وإذا كان الهدف من التوسعة حل أزمة انتظار السفن في ممر القناة وتحقيق سرعة العبور من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط والعكس بالعكس، فما قاله أسامة ربيع من أن التوسعة تختصر المسافة بين ساعة إلى ساعتين من إجمالي 11 ساعة حاليا، يبدو مدة زمنية ضئيلة مقارنة بكلفة التوسعة والعائد المالي منها.

 

ويعرض المشروع على الحكومة، مع توفير التمويل اللازم لتنفيذه من الميزانية الاستثمارية لهيئة قناة السويس المعتمدة من وزارة المالية دون تحميل أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة.

 

وكانت توسعة القناة السابقة منذ تسعة أعوام أحد المشاريع الضخمة التي تم تنفيذها في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحوت هدفا سياسيا يتعلق بحاجة الدولة آنذاك إلى رفع الروح المعنوية العامة، وإيجاد مشروع وطني يلتف حول الحاكم الجديد عقب سقوط نظام جماعة الإخوان وما خلّفه من مرارات في نفوس المصريين.

 

وتعرض المشروع آنذاك لانتقادات واسعة من قبل قوى معارضة بدعوى أنه لم يحظ بدراسات كافية وتم تنفيذه على عجل (استغرق عاما في حين أنه يتطلب ثلاثة أعوام)، وقيل إنه ساهم في احتداد أزمة شح العملة الأجنبية وارتفاع أعباء الديون، وهو ما تخشى المعارضة تكراره في التوسعة الثانية، لذلك تعمّد الفريق أسامة ربيع الإشارة إلى وجود دراسات معمقة هذه المرة.

 

وجرى الربط بين توقيت الإعلان عن هذه التوسعة وبين صفقة استثمارية في منطقة رأس الحكمة وقعتها القاهرة مع أبوظبي مؤخرا، تدر عوائد عاجلة بقيمة 35 مليار دولار، وانتشرت تقديرات تفيد بأن الحكومة تريد توظيف جزء منها في هذا المشروع.

 

ونفى رئيس هيئة قناة السويس ذلك في تصريحات إعلامية عندما قال إن نفقات التوسعة تتم من ميزانية القناة وبالعملة المحلية، لافتا بشكل ضمني إلى عدم الاستدانة من الخارج أو الداخل، وعدم الاستفادة من عائد رأس الحكمة، وأوحى الحديث عن استغراق تنفيذ المشروع نحو عشر سنوات بعدم وجود شبهة استعجال.

 

ولم تقنع المؤشرات الإيجابية التي استند إليها ربيع للتفكير في مشروع التوسعة بعض الخبراء، حيث تحدث بثقة مفرطة عن زيادة في عدد السفن المارة من القناة بعد عشر سنوات تقريبا بسبب نمو التجارة العالمية والحاجة إلى طريق قصير لوصول السفن، ما يزيد موارد قناة السويس بشكل أكبر مما هو حاصل الآن.

 

وقال خبير النقل البحري حمدي برغوت إن قناة السويس كيان عملاق وحيوي وسعْي الدولة لتوسعة المجرى الملاحي له بعد إستراتيجي، وهي رسالة توجهها القاهرة إلى العالم مفادها أنها لن تستسلم وسوف تواصل التنمية وتعزز مواردها في خضم التحديات الجسيمة.

 

وأشار لـ”العرب” إلى “صعوبة الربط بين تراجع الإيرادات وخطة التوسعة بذريعة تبديد موارد الدولة، فالقناة كيان مهم ينبغي تطويره باستمرار، لكن يمكن نقد التحرك من جانب الحكومة في مجال التوسع في تأسيس مدن جديدة وتشييد كُبْرِي وخطوط سكك حديد وبعض المشاريع التي لا تدر عائدا على المواطنين”.

 

ويتجاهل الرهان على فوائد التوسعة التطورات الإقليمية والدولية في المنطقة؛ فتوترات البحر الأحمر لم تُؤْخَذ في الحسبان قبل حرب إسرائيل على غزة، وأثرت على الملاحة في القناة، وسبقها انتشار فايروس كورونا واندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية اللذان أثرا على إمدادات الغذاء في العالم وانعكسا سلبا على قناة السويس.

 

ويعني ذلك أن تضخيم المشروع يجب أن يراعي التطورات المفاجئة. ومن شأن الدراسات التي سوف تجريها هيئة القناة أن تقدم رؤية واضحة حول هذه المسألة لوضع الأمور في نصابها كي لا تتهم الحكومة بعدم التوازن في إنشاء المشاريع وبأنها تفضّل الكبرى ذات العوائد البعيدة على الصغرى التي تهم مباشرة شريحة كبيرة من المواطنين.