لست بصدد كتابة (قصة) قصيرة محبوكة بسرد ادبي ... لا ... بل سوف اسرد قصة حقيقية لواحد من عشرات المتسلقين على الثورة الجنوبية , واحد امتطى صهوة جواد الحراك الجنوبي بعد ايام من وصفه لعلم الجنوب بانه علم تشطيري في وصف مشابه تماما لملوك الغزو الشمالي للجنوب عندما ارادوا تبرير اجتياحهم للوطن الجنوب الضارب في جذور التاريخ بأنه شطر وتلك الحرب ما هي إلا حرب اعادة الشطر لأمة.
قصة هذا الشاب مجرد حكاية لواحد من مئات المتسلقين الذين هربوا الى الحراك الجنوبي عقب سقوط (ولي نعمتهم) علي عبدالله صالح.
ففي صباح يوم جميل من مطلع العام 2011 م في قاعة فندق بعدن شابان يجلسان على كرسي يتداولان الحديث عن الجنوب وقضيته .
وعلى مقربه منهم شاب طويل ذو بشره شقراء وشعر اسود لا يعرفان عنه شيء سوى انهما وجداه امامهما في المكان , بدون أي مقدمه تدخل في الحديث ناصحا لهما " سيبوكم من دا الكلام نحن كشباب عدن يجب ان نعمل على أسقاط النظام الفاسد , اوضح له احد الشابين بان اسقاط النظام لن يغير شيء في الأمر .. وبدون خجل قال لهم اكيد انتم من بقايا النظام ؟؟!
كان خطابة كخطاب الحزب الذي حلل دماء الجنوبيين في العام 1994م , ان لم يكن اقوى بشوية.
ترك المكان لهما وذهب الى قاعة المؤتمر وهو يهتف " الشعب يريد اسقاط النظام" كان من في القاعة يهتف بصوت موحد بذات الشعار .
امرأة في العقد الخامس من عمرها تتوشح علم دولة " يذكر ابناء عدن بالدبابات التي اجتاحت خور مكسر والبريقا في يوم سقوط عدن " تسير بخطى ثقيلة فهي وصلت للتو من العاصمة اليمنية صنعاء شاركت في انتفاضة اسقاط النظام هناك ".
الشبان دخلا القاعة للمشاركة في اشهار تكتل شبابي كانا الجميع في القاعة يستمع الى قيادة التكتل الجميع تلك المرأة نحيفة الجسم تتحدث وبصوت عالي عن بطولاتها ضد (المخلوع) في صنعاء كان الشاب اكثر انصاتا لها
فتارة ينزل نظارته من على عيونه واخرى يعيدها ومع كل كلمه تقولها سيدته العجوز ينظر الى الشابين بنظرات سخرية منهم .
الشابان لم يعجبهم الوضع ووجها له انتقادا لاذعا" انت مالك ؟ ايش فيك؟ وبكل غرور قال الشعب يريد اسقاط النظام نهضا الشابين من مكانهم وغادرا قاعة الفندق.
مرت يومين وبصدفه يلتقيا الشابين والأشقر في مدينة المعلا وفجأة اقترب منهم وقال " انا آسف على ما بدر مني قبل أمس وانتم كان من المفروض عليكم انكم تتركوا اعلام (التشطير) وتفكروا في بناء يمن جديد خالي من الفاسدين , وتأكدوا ان اللي يدعم ثورة ثورة يا جنوب هو علي عفاش , على العموم انا آسف مرة اخرى ".
الشابان " عادي ما في شيء حصل خير ". تركاه بعد ان اخذ ارقام هواتفهم لتواصل فمن اليوم هم اصدقاء
تظاهرة في المعلا تدعو لأسقاط النظام ". قوات الامن تقتحم الشارع الرئيس في المعلا وتقتل وتعتقل العشرات ".
الجميع مصر على استكمال اهداف الثورة.
أي ثورة (ثورة اسقاط عفاش) لكن تلك الثورة لم تسقط سواء اخلاقهم , بعد ان جعلوا من احرار الجنوب اعداء لهم فأي شاب في عدن يرفع علم الجنوب (من بقايا النظام) مع ان النظام لليوم وبعد مرور أكثر من عامين لا زال قائم وبكل قواه.
تغيرت الأمور واتضح للكثير ممن كانوا ينساقوا وراء شعارات حزب الاخوان (لا ادري اخوان من؟) المهم تحول كل شيء في عدن الى نبض واحد فأعلام الجنوب باتت تزين الكثير من الشوارع والبيوت, كل شيء يتحدث في عدن عن احتلال صنعاء للجنوب , الجميع يهتف بخروج المحتل اليمني , لم يجد الشاب والكثير ممن كانت صنعاء ترسل لهم بفلوس اسقاط عفاش الا ان ينظم الى الحراك ويرفع علم الجنوب.
وفي ذات مساء من يناير 2012م رسم الشاب (علم التشطير) على ذراع يده اليمين , وهاتف اصدقاء (بقايا النظام) كما سماهم في اول لقاء له بهم.
وجد الشاب ضالته في الاعلام بعد ان وظف فلوس اسقاط النظام من اجل تلميعه وتقديمه كناشط وفوقها (سياسي جنوبي بارز) اتفق مع عصابات من عصابات الأمن على ملاحقته واطلاق النار عليه وفق سيناريو معد مسبقاً من أجل ان يكون الظهور الإعلامي قوي ... صنع منه الاعلام على يد مأجورين لا يهمهم سواء بطونهم المنفوخة.. بطل قومي كبير لا يقل عن ما فعله شهيد انتفاضة الربيع العربي الشاب التونسي (بو عزيزي ) الذي احرق نفسه احتجاجا على الإهانة التي تعرض لها على يد بلطجية أمن تونسية
ظن هذا الشاب المتسلق انه وصل الى مرحلة القائد الهمام واصبح يرتدي نظارتين في آن واحد فواحد نظارة طبية بيضاء واخرى شمسية .
افتضح أمر الشاب رغم تدفق الأموال عليه وبالعملة الصعبة (وبات جيب بنطلونه) ممتلئ بالفلوس الخضراء.
فشلت افلام بطولية كان قد اعدها من سابق للتكبير حجمة وزيادة رصيده النضالي الزائف , لم يصمت المقربون منه حيال ما يجري , الفلوس تصل الى يده وما يعطيهم ولا شيء هددوه بفضح أمرة أمام الجميع في حالة رفض إعطائهم نصيبهم .. رضخ لأمرهم وقاسمهم كل ما يصله لكن حجم اصدقائه زاد فالجميع يريد نصيب من المال الذي يأتيه من (الكيبل) الكبير والمعروف طبعاً لدى شريحة واسعة من النشطاء في عدن.. وطبعاً الكيبل هو احد ثمار ازمة صنعاء , لأنه من سابق لم تكن هناك أي كيبلات وكله على حساب كبيل قوت الأطفال مفجري ثورة الجنوب التحررية.
ويظن الشباب ان هذا الكيبل الذي يمدهم بالمال يريد استعادة الوطن وانه يبذل كل ذلك من حر ماله رغم ان تلك الاموال التي يرسل لهم البخس منها , ما هي إلا اموال شعب الجنوب الذي تقاسمها مثلث الشر في 1994م (قوات علي سلاحف , وجحافل الإخوان , وزعما دولة اليمن الجنوبي) الذين هربوا عن طريق البحر وتركوا الشعب المسكين يذوق الأمرين.
حكايات المتسلقين على ظهر الثورة الجنوبية كثير , لأن الجنوب كوطن لا يهمهم بقدر ما تهمهم بطونهم وعند مواجهتهم بالحقيقة يقولون لك (الجنوب باعه علي البيض) خلنا نصرف على اولادنا , رغم اني لا اعتقد ان اولادهم يلاقوا شيء من تلك الأموال لسببين : ان ما يصلهم يوزع على عسكرهم وملمعيهم والسبب الثاني حسب قولهم لا يريدوا ان يأكلوا اولادهم (مال حرام) لكون تلك الأموال لثورة والشهداء والحرجى الذي وجد اولئك المتسلقون اسمائهم للكسب على ظهرهم.
اذكر اني في احد المرات شاهدت بأم عيني اثنين من اولئك المتسلقون على وأكلي حقوق الشهداء والجرحى يعاتب صديقة على انه لم يعطيه شيء من الهدايا والفلوس التي عاد بها من الخارج (انتفض من مكانه وقال الله المستعان أنا ما حصلتك والا كنت اعطيك , لكن ولا عليك خذ جوالي لك هدية جوال (جلاكسي 4)جديد. ابتسم له صديقة وقال خلاص مقبول منك يا ابن عمي (طبعاً ابن عمه في الفلوس) فقط.
هذه الحكاية الأولى وستأتي حكايات اخرى لمتسلقين اخرين جعلوا من الثورة الجنوبية تجاره رابحة بضائعها دماء الشهداء والجرحى وأنين الأسرى وبكاء أمهات الشهداء. فهناك دموع تذرف على فقدان حبيب وهناك فلوس تصرف تحت بند مساعدة اسر الشهداء والجرحى... واصبح شهداء وجرحى الجنوب تجارة تلك القوميات ... لنا لقاء مع حكاية متسلق أخر... دمتم في أمان الله