الخطاب الدعوي ساهم في انتشار ظاهرة الإلحاد، كونه خطاب يعيش الماضي وتراثه من فقه مغلوط، جعل من الأمة الإسلامية أمة ميتة تعيش عالم الموت لا الحياة، فالماضي غير الحاضر، وغير المستقبل، وتراثه هو أقوال الموتى، وليس قول الله الحي الدائم الذي لا يموت، وبهذا عزل هذا الخطاب نفسه، عن الواقع وإشكالاته ومعارفه، وتناسى هذا الخطاب قول الله بهجر القرآن، قول الله الحق، الحاوي للزمان والمكان، المستوعب لاشكالات وعلوم كل عصر، فوجد الشباب أنهم يعيشون إسلام مغاير لواقعهم، ولا يستوعب، زمانهم، ومكانهم، ومعارفهم، إسلام لا يجدون فيه حياتهم، بتعقيداتها وعلومها، وعندما يستنجدون بالتراث الذي كَوّنَ عقولهم، فلا يجدون فيه إجابات شافية، عن أسئلتهم المعاصرة والعاصفة، وبسبب هيمنة الخطاب الدعوي التراثي على الوعي، لا يعرفون كيف يقرأون القرآن، ويبحثون فيه عن هذه الإجابات، ولا يجدون في الخطاب الدعوي، قراءة جديدة متجددة لوحي الله، فهو خطاب غارق فيما قاله "أهل علم التراث" وبما ورد في مروياتهم، وهو أمر لا علاقة له بواقع شبابنا، وعصرهم وعلومه، وبهذا يعيش شبابنا مرحلة إنفصام، بين اعتقادهم بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وبين عدم مطابقة إسلام التراث لواقعهم، المغاير لإسلام التراث وفقهه المغلوط، فيعيشون صدمة عدم تطابق الوعي بالواقع، لتقودهم هذه الصدمة للإلحاد.
قول الله الحق بكتابه هو دين الله، فالله قدوس دائم لا يموت، ودينه الحق مقدس خالد، يستوعب حركة الزمان وعلومه، منذ الخلق ليوم الحق، والتراث وأصحابه هم أمة ماتت، لها ما كسبت، ولنا ما كسبنا، ولا نُسال عن اعمالهم، وتمسك الخطاب الدعوي، بالماضي وتراثه وأهله، هو تمسك بأمة قد خلت، وآبائية مضت، وقد نهى الله عن ذلك بقول فصل فاصل.
﴿تِلۡكَ أُمَّةࣱ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ١٣٤]
﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلۡ نَتَّبِعُ مَاۤ أَلۡفَیۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة ١٧٠]
على الخطاب الدعوي أن يخلع عباءة الفقه المغلوط، والأبائية المقيدة للعقل والعمل، ليعيش مصداقية وحي الله، بمطابقته للزمان وعلومه، وهذا يتطلب قراءة جديدة معاصرة لدين الله بوحي تنزيله ليتحقق قولنا "صدق الله العظيم" بنهاية كل آية نتلوها، أو نقرأها من كتاب الله، فالوجود بقوانينه من الله، وكتاب الله هو قوله الحق، فلا تعارض بين كلمات الله، في الوجود المنظور، وبين كلام الله، في الكتاب المسطور، وبهذا الخطاب ننقذ شبابنا من لوثة الإلحاد وهذه مسؤولية كل المسلمين أفراد ومؤسسات.
*- د عبده سعيد المغلس
١٤-٤-٢٠٢ ٣