انتهت رسمياً عاصفة العرب ولم يعد بمقدور "هند الصغرى" أن تستغيث بهم هذه المرة لأن لدى النسخة الكسراوية وكيل محلي (نشمي) لا يسعى إلى الوشاية لكي تسحق أباها اقدامُ الفيلة، بل أصبح هو بذاته فتى التباب والقفار… فلم تنجز استغاثة ولم تشفِ نفوس أهلها من المذلة ولم يورق غصن في حيّها أو حتى يُدّخر "ديرها" لتدفن فيه. وأي ذُل يا أخت العرب الذين أودعوا سهامهم في جراب حاوٍ وليس في عهدة فارس مغوار!
ذهبت العاصفة وتصدعت وإلى الأبد جدران جمهورية سبتمبر العتيقة وجمهورية ٢٢ مايو العقيمة و قريباً سوف تُستدرج جماعات و كتل وموظفي دولة في لحظات انكسار تاريخي للعودة إلى الديار لأداء صرخة الموالاة ومقايضة مواقفها السابقة مقابل أن تصبح "تيار مَرَدة" إلى حين مقبرة.
وبعد حين ستكشف الأيام شكل المتغيرات الجديدة التي ستقود إلى تنمية مصادر أنصار الله وبدء عمليات الضخ المالي إلى جانب روافد خارجية أخرى ومعها سيتوسع نفوذهم وتأثيرهم على ملفات متعددة داخلياً، وتستعيد صنعاء دورها كعاصمة ومركز للدولة.
إلى هنا تقترب حكاية الشرعية الواحدة من خواتمها وكان واضحاً بأن فصولها ستاخذ طابعاً تراجيدياً منذ أن تحول الرئيس السابق إلى مجرد رمز محجوب في غرفة ممنوعة على الزائرين محاط بدروع أدواتية ترتدي جلباب شرعيته وتوزع المناصب والمكاسب وترفع مقامات ما كان لها أن تساوي تراب الأرض لولا العته المريب الذي أحاط بسياسات القصور.
وعما قريب لن تكون هناك شرعية وانقلاب وإنما شرعية مقابل شرعية وبينهما هاوية. شرعية أنصار الله التي تحكم صنعاء وتستعيد دور العاصمة ودور مؤسسات الدولة هناك، وأخرى هي توليفة متصارعة ماتزال تتحاور حول اقتسام المناصب والنفوذ بعد أن أثبت الأشقاء أن كل مبادرة يأتون بها تنقل الأطراف من أزمة إلى أزمة حتى صودرت ارادات ودماء.. واضطر كل من لديه قضية وطنية حقيقية أن يعمل على إلهاء قواعده الشعبية بخطاب المناسبات والهوامش.
وفي المقابل يضرب أنصار الله خطواتهم في عمق الأرض ويؤسسون تدريجيا لحكم قوي مطلق. وحتى التململ الشعبي الذي بدأت تشهده مناطق نفوذهم ستحيّده تدفقات المال الذي لا ينحصر في مرتبات العاملين (فهم يستحقون ذلك)، وإنما من مساعدات الأشقاء السخية ليس لشراء ما لا يباع اصلاً ولكنها عادة تاريخية مبنية على قاعدة منتهية صلاحيتها، المال مقابل السلامة.
الآن يعترف العالم وفي مقدمته قائدة التحالف العربي بسلطة صنعاء، وهي ثيوقراطية عقائدية بواجهة جمهورية على النمط الإيراني، ويسعى معها لتحقيق هدنة طويلة كمدخل لإيقاف الحرب والذهاب نحو عملية سلام سيكون لأنصار الله الكلمة العليا.
ومع استحالة وضع خوارزمية سياسية تأخذ الجميع عبر حلقات منطقية متسلسلة نحو رفاهية السلام الذي يرضي جميع الأطراف، تبقى هناك تساؤلات كبيرة حول قضايا حيوية مهما كان إطار التوافقات. أولها قضية الجنوب التي ستكون محور صراع دموي في حال إهمالها، وآخرها دور الأحزاب والقوى القبلية الشمالية و نوع التفاهمات مع أنصار الله حول آلية الشراكة.
لقد أثبتت التجارب منذ الملكية المتوكلية إلى الجمهورية السبتمبرية وإلى دولة الوحدة بأن النخب الحاكمة في صنعاء لم تحقق أي بناء سياسي واقتصادي واجتماعي يؤهل اليمن أن تأخذ مكانتها كدولة قوية و معاصرة ومستقرة بل تحولت إلى موطن أزمات متراكمة لا يمكن حصرها في ظاهرة أنصار الله كمحصلة بل تشمل معضلات جوهرية عميقة وانقسامات قبلية ومذهبية و موروث سياسي مثقل بالثارات والصراعات.
من ناحيتها استهانت المملكة بقضايا رئيسية واعتبرت اتفاقات الرياض ترياق لمداواة كل العلل ووسيلة لجمع القوات تحت إمرة الشرعية دون الاستفادة من دروس المبادرة الخليجية والإفراط في الثقة بأن ما كُتب في الكرّاس يُنفّذ على الأرض.
إنها نخب وأحزاب اليمن أيها الإخوة الجيران ومن لم يعرفها طيلة عقود خلت لن يفهمها الآن، فقبل السعي إلى تبديل غرائزها بالاتفاقات كان عليكم تبديل أدواتكم. لكن لم يعد لهذا الحديث جدوى.
احمد عبد اللاه