شارك الداعية الإسلامي الحبيب على الجفري في المؤتمر العلمي الدولي الذي عقدته جامعة الوسطية الشرعية بحضرموت بعنوان " المتغيرات والمستجدات بين التوجيهات الربانيه والفكر المتغير" شارك من محل اقامته بالقاهرة عبر منصة الزوم في هذا المؤتمر وقال:
ان المتغير لابد ان يقابله ثابت والمستجد لا بد أن يقابله القديم، وان المتغير لو لم يكن هناك ثابت يدور حوله المتغير يُنبني عليه هذا التغير وكذلك المستجد الحادث لو لم يكن له قديم قد احدثه لكان الأمر مستحيلا، وأن الصلة بين الجديد والقديم هي الأساس فيما يمكن أن ندرك به الصلة بين التوجيهات الربانية والفكر الإنساني.
وتابع فضيلته أنه عندما ينقطع المتغير بالثابت يصبح المتغير ضياعا، وعندما ينقطع الجديد المستجد عن صلته بالقديم يصبح الأمر ضياعا أيضا، وكذلك عندما ينقطع الفكر الانساني عن التوجيه الرباني يكون حالة الضياع.
وأشار إلى كلمة الحبيب عمر بن حفيظ -عميد دار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية- خلال المؤتمر حول "العبدية والإنسانية" ووصفها بالمختصره والعظيمة، عندما قال: العبدية والإنسانيه، فالانسان الذي ينطوي في باطنه على تصحيح هذين المفهومين هو الذي يحسن التعامل مع المتغير المستجد، وهو الذي يكون صلة حقيقية لغرس شحرة الفكر الانساني في أرض التوجيه الرباني، لتثمر للناس نفعا.
وقال أن العبدية هى تصحيح معنى العبدية.. واعتراف، وعلم، ويقين، يثمر عملا وحالا، وهذه العبودية اليقينية والخضوع لله عز وجل هي مفتاح لحل الكثير من اشكالات العصر الذي نعيشه الآن، أي أن هذه الاشكالات مثارها هى تمرد كثير من البشر في زماننا علي حقيقة لا يريدون الاعتراف بها، لا يريدون ان يروها، ولايريدون الإقرار بها، وهي العبودية وان للمخلوق خالق وأن لهذا الكون سيد.
واوضح أن تهرب الكثير من البشر في زماننا عن الصلة بهذه الحقيقة قد اورث المتغيرات والمستجدات لهذا الشتات الذي أشار إليه البروفيسور عبدالله باهارون -رئيس جامعة الأحقاف بحضرموت- حول الضياع والانحطاط الاخلاقي، والشتات الاجتماعي، ومن الفكر المنفلت الذي أورث البشرية ضياعا حتى للإنسان نفسه، وما إن يفقد الإنسان عبودينه، يفقد إنسانيته، حتى وصلنا لنا بأن هناك دولا تعاني شبح الإنقراض وتسقط وتنتهي، لضياع المنظومة الاخلاقية والمؤسسة الاسرية التي تحدث عنها في كلمته.
وبين الحبيب الجفرى ان كل ذلك ينتظم في اطار أن الإنسان هو وعاء التدين، فإن صحت انسانيته صح تدينه، وان عدمت إنسانيته ضاع تدينه وان اظهر تدينه.
واشار إلى أن المقصود بانسانيته أي فطرته التي فطره الله عليها، حيث قال الله تعالى" لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم" لينجو ويكون من الذين استثناهم رب العزة في قوله تعالى " ثم رددناه اسفل سافلين إلا الذين ٱمنوا وعملو الصالحات فلهم أجر غير ممنون".. وتحقق هذه الفطرة الإنسانية مرتبط بخضوع الإنسان وعبوديته لله عز وجل.
وكشف الجفري في كلمته عن معاناة الباحثين والعلماء والمتخصصين في الغرب مع اليسار المتطرف وعدم قدرتهم على التعبير عن ارائهم في الاشكالات الموجودة لديهم وذلك عبر مشاركته في مؤتمر عقد في الشهر الماضي في جامعة اكسفورد، وهي اشكالات جاء بها اليسار المتطرف الداعي إلى نبذ القيم ومخالفة حتى العلوم الطبيعية، حتى الحسية والتجريبية التي كان ينظر إليها انها اساس الحضارة الحديثة التي بنيت عليها، والدعوة إلى حرية اختيار الشخص لنفسه ذكرا ام انثى حسب الهوى والتشهي.
وقال أن الذين لديهم احترام لانفسهم من المسلمين او غير المسلمين من اتباع الديانات الأخرى بل حتى الملحدين الذين لديهم وازع اخلاقي لايزال، او لديهم بقية من فطرة، يرفضون هذه التوجهات، ولديهم شعور قوي بأنهم مهددين حتى في القدرة على التعبير عن رأيهم في هذه التوجهات المتطرفة في الانحراف، ويقولون أن هناك معايير ستصاغ او توضع أمام من يرغبون في التدريس بالجامعات بناءا على قبولهم بهذا الطرح وان قبلوا فهم معنا وان رفضوا يترك الجامعة، ويخسر وظيفته تحت أي مبرر.
وأوضح الجفري أنه بهذه الحرية التي جعلوها مبررا لأن يغيروا فطرة الله التي فطر الناس عليها وأن الإنسان حر، هذه الحرية التي رفعوا عقيرتها وجعلوها عذرا يريدون اللانقضاض عليها، ونقضوها، فيكممون افواه من يخالف وجهة نظرهم في هذا الأمر، مؤكدا ان هذا التناقض موجود في عدة قطاعات، وفي العلوم كعلم النفس وعلم الاجتماع حتى في استخدامات العلوم الطبيعية.
وقال أن اشكالات العالم اليوم أن صلته بالمتغيرات لم تقم على أساس الثوابت.. وان صلتهم بما يتجدد بالمستجدات لا تقوم على أساس الصلة القديم سبحانه وتعالى... فصار الأمر محض تفاعل بين أصحاب النفوس وبين الواقع الذي يعيشونه.. وحينئذ وما توصلوا إليه من اكتشاف سنن الله الكونية التي يعبر عنها بالعلوم الطبيعية.. لما لم ترتبط ببوصلة التوجيه الرباني الاخلاقي؟ تحولوا من التعامل العالي معها إلى المقاصد الارضية.. والمقاصد العالية كناية عن أننا مؤتمنون في هذه الأرض.. إذ أن الإنسان خليفة الله في الأرض.. (الخلافة بمعناها الواسع لا المقتصر على الحكم) وأن يتعامل عليها بأنه ليس السيد او المالك لهذه الارض وهذه حالة الإنسان الرباني العبد لله. الإنسانية العبدية، والتي تقابلها حالة اخرى وهي حالة اللا إنسانية التي يطلق عليها اليوم الأنسنة اللا إنسانية المتمردة على العبودية..التي تجبن عن هذه الحقيقة. . وتبني في تعاملها أن الإنسان هو سيد هذه الأرض .. حتى في تعاملهم مع البيئة يتحدثون عنها بالقول نحافظ عليها من أجل الاجيال القادمة.. او حتى لا نتضرر او حتى لا تحدث كوارث بالارض.. وحرائق الغابات ونضوب المياه . وغير ذلك من الأمور التي يبررون بها الحفاظ على الأرض.
وتابع فضيلته بأن النظر إلى التحولات التي تحدث عنها الحبيب ابو بكر المشهور رحمه الله في "فقه التحولات" وسنن المواقف يحدون مع كل المشوشات التي تحدث بالعالم، أو نعانيه في بلداننا يجب أن نتبه إلى أن هذه المشوشات التي تحيط بنا على ما في ظاهرها من الآلام التي يتجرعها الناس، من وراء أكمتها بشارات وفرص، ان نحن اعتنينا بالرجوع إلى الله وأن ندرك مهمتنا في هذا الوجود.
وقال أن هذه الفرصة تكمن في أن نعيد تصحيح تعامل الانسان مع هذا الكون على أساس مهمته في هذا الكون.. من عبادة الله واعمار الأرض وتزكية النفس، لإعادة الانحراف الذي حصل، فالعالم قطع اشواطا طويلة في التقدم العلمي الذي انبهر به العالم وهو ما نتفهمه.. ولكن عندما فقد الإنسان البوصلة وانه كلما تقدم اكثر، انه دمر الكون أكثر.. واضر بالبشرية والكوكب.
وارجع الجفري ذلك إلى أنه انطلق دون النظر الى الصلة والمقصود بالاشياء التي يتعامل معها.. والذي انتهى إلى الإفلاس والضياع الذي يشهده العالم.
وقال أن هذا الإفلاس أشار اليه سيدي الحبيب عمر بن حفيظ في كلمته، والخلل الذي يشعر به الجميع..
واكد الجفري أن علاج هذا الخلل موجود لدي العلماء في الشريعة بأن نفقه في ديننا والانتهاض لتصحيح ما يقتضي التصحيح..وترسيخ معنى الحياة في هذا الوجود والانطلاق نحو تطبيق ذلك في مختلف العلوم على اساس عبادة الله وعمارة الأرض.. واحياء انوار الله من خلال التعامل مع خلقه.. وان هذا الترشيد للتعامل مع اسباب الكون من حولنا هي مفتاح التغيير، ومخاطبة العالم اجمع بمختلف عقليات اصحابه.. ونفسياتهم للاقبال على شيئ العالم ينتظم له وينتظره الآن.
وشدد الجفري على أن المرحلة القادمة تتطلب منا عالما عاملا بعلمه، المتبصر، المهموم، الخادم لهذا الهم، المجاهد لنفسه، ليتجرد من الأهواء .. المتخصص في المجالات المتعددة، علماء مرتبطون بالمقاصد للانطلاق في تخصصاتهم المختلفة، واقامة المقصد في التخصص الذي يمارسه العالم .. وختم محاضرته بمقولة الحبيب ابوبكر المشهور في أحد دروسة حول مقولة: الغاية تبرر الوسيلة فقال رحمه الله أن الغاية تقرر الوسيلة وليست الغاية تبرر الوسيلة.
*-رابط المشاركة https://www.youtube.com/watch?v=i4zWA2aykE4