نعيش مرحلة من الانتهازية التي لم ولن نشهد لها مثيل لكثير من النخب السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية وحتى الثقافية والإعلامية للأسف الشديد ، يتحاورون ويتصالحون من أجل ماذا وعلى ماذا ، الشعب لا مكان له في جدول أعمالهم وندواتهم ولقاءاتهم .
نحن بحاجة ماسة إلى أن نتصالح مع أنفسنا أولا ، أن نتصالح مع شعبنا الذي خذلناه في مرحلة مأساوية كارثية يعيشها ، لم ننجح في أن نجعل من العاصمة عدن أصغر رقعة جغرافية أنموذج لباقي الأراضي الجنوبية المحررة أمنيا وخدماتيا ، ضرب الفساد والفشل والتخبط والضياع والمناطقية الضيقة والشللية كل شبر في الجنوب وعدن تحديدا .
بالأمس عرض عسكري بالحديدة واليوم عرض أمني بصنعاء ، رغم ما تمر به مليشيات الحوثي من نكسات خطيرة على المستوى العسكري والأمني في صنعاء وغيرها ، إلا أنها دائمآ ما ترسل رسائل للداخل والخارج بأنها قوية ومتماسكة وتعد العدة إلى ما بعد وقف الحرب في اليمن ، وخروج التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بصورة نهائية .
مؤسساتنا العسكرية والأمنية رغم الدعم الإماراتي السخي لم تصل إلى ما نطمح إليه ، أين الخلل ومن هو السبب وكيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق الخطير جدا على أمننا القومي وسلامة أراضينا وإستقرارنا ، المناطقية العفنة هي من تحمي كل أولئك الفاشلين والفاسدين ، وبالتالي نحن أمام تحدي كبير بين الإنحياز للوطن أم للقبيلة والقرية ، نحن الآن ننحاز إلى القرية وليس إلى الوطن وشعبه من باب المندب إلى المهرة وسقطرى .
ماذا أعددنا نحن كجنوبيين لمرحلة ما بعد الحرب وخروج التحالف العربي ووقف التدخل المباشر للتحالف في اليمن لا شيء ، سوى حوارات عقيمة نستجرها منذ سنوات بإسم التصالح والتسامح مع جيل لم يشارك في تلك المرحلة ، على القيادة أن تتحرر من التبعية المفرطة والارتهان المذل ، قبل فوات الآوان الذي دخلنا في أولى مراحله اليوم ،
ستسلم لنا الأراضي الجنوبية الشرقية وعلينا أن نحميها ونتدبر أمرها بأنفسنا هذه المرة ، وإذا فشلنا في حمايتها وإدارتها وتهميش أبنائها فسنكون قد فرطنا بتلك المناطق إلى الأبد ( يراهنون على فشلنا ) ، سينقل البنك المركزي اليمني إلى صنعاء مرة أخرى ، وسيتكفل التحالف برواتب الشمال عند تجديد كل هدنة لمدة ستة أشهر ، بحسب كشوفات 2014 للقطاع المدني أولا .
سيفتح ميناء الحديدة أمام جميع السفن والبواخر التجارية بمختلف أنواعها وأحجامها من وقود وغيره ، على حساب موانئ عدن والمكلا ونشطون والمنافذ البرية الجنوبية ، 80% من المستوردين والمستهلكين من الشمال وستذهب جميع تلك الموارد المالية الضخمة معهم ، وأخاف أن يذهب معهم تجار الجنوب إلى الحديدة هربا من موانئنا وما أدراك ما فيها من تطفيش وجبايات قسمت ظهر المواطن قبل التاجر .
ماذا أعددنا بعد فتح مطار صنعاء الدولي أمام جميع الرحلات دون استثناء ( النسبة الأكبر من المسافرين شماليين أيضا ) ، وكيف سيكون وضع مطارات عدن وسيؤن والمكلا وغيرهم ، هل لدينا رؤية لهكذا سيناريوهات حقيقية قادمة في القريب العاجل والاستفادة من مواقعنا كموانئ ومطارات ترانزيت ، على أن نوفر أولا الأمن والاستقرار من أجل التنمية ، أم كعادتنا سنندب حظنا العاثر كالعادة بسبب قيادات ليست بحجم المرحلة الراهنة الخطيرة .
حتى ميناء بلحاف الشبواني ومنشاة تسييل وتصدير الغاز الطبيعي المسال بدون غاز مأرب لا جدوى منها ، ونفط المسيلة وشبوة المتواضع غير كافي لدفع رواتب الجنوبيين وتسيير شؤونهم ، هذه هي التحديات الخطيرة الواجب علينا مناقشتها على مستوى النخب السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية والإقتصادية ، والبحث عن السبل للخروج منها بسلام .
هل نحن قادرين على طرد البلاطجة وأمراء الحروب والأزمات والكوارث من مؤسساتنا العسكرية والأمنية ، أم أن المناطقية والشللية والجهوية حصنهم الحصين ، الإرادة قبل الإدارة إذا أردنا تصحيح مسارنا الكارثي المزري المأساوي الراهن .