قبل الاسترسال في مناقشة اللوحة التي عقدت في ظلها مشاورات الرياض اليمنية- اليمنية، وما جاءت به من مخرجات، لا بد من التعرض لأمرين مهمين هما.
١. إن حديثنا هنا وما قد يتضمن من لغة نقدية، لا يعني التقليل من جهود الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي ولا التشكيك في حسن نواياهم تجاه البحث عن حلول عملية جادة للازمة اليمنية.
٢. كما إن ما نتناوله هنا لا يستنقص من الجهود الكبيرة التي بذلها المحاورون الجنوبيون في ظل اجتياح أغلبية كبيرة من ممثلي النخب السياسية الشمالية التي دخلت بمسميات متعددة رغم أن معظمها يتفق حول كل العناوين والقضايا والمعالجات والحلول التي تم اتخاذها.
وهنا من المهم الإشارة إلى أن تنوع الطيف السياسي المشارك في المشاورات قد انعكس في تعدد وتباين الأولويات، خصوصاً عند الحديث عن ثنائية الجنوب والشمال.
فالجنوبيون الذين آمضوا قرابة عقدين وهم يرفعون شعار "النضال السلمي من أجل استعادة الدولة الجنوبية"، لم يغب عن أذهانهم هذا الشعار حتى وهم يتعهدون بمشاركة الأشقاء الشماليين من أجل إنهاء الانقلاب واستعادة دولتهم وعاصمتهم من تحت سلطة الانقلاب الغاشم، وقد أكدوا هذا منذ العام ٢٠١٥م وما يزالون يبرهنون عليه في مختلف الجبهات ويتصدون للعدوان الحوثي دون أن يتنازلوا عن شبر واحد من الأرض التي دفعوا ضريبة تحريرها ارواح ودماء الآلاف من خيرة شبابهم.
وهكذا فإنه وبعد أولوية تفعيل الخدمات والتخفيف على مواطني الجنوب من حصار الخدمات وحرب التجويع التي مورست عليهم على مدى السنوات المنصرمة، فإن الاولوية القصوى للجنوبيين هي العمل على تأمين ظروف استعادة الدولة الجنوبية من خلال الحوار الندي السلمي الثنائي (الجنوبي- الشمالي)، وهذا ما لا تقبل النخب الشمالية في استيعابه أو حتى التفكير فيه.
بينما تتمثل ملامح الاولوية القصوى بالنسبة للإخوة الشماليين بإعادة دولة ١٩٩٤م إلى عدن من خلال مخرجات مشاورات الرياض، مع مواصلة التسويف والمماطلة فيما يتعلق بخوض معركة تحرير صنعاء، كما اعتدنا معهم على مدى ٨ سنوات.
الإخوة الشماليون لا يختلفون عند ما يتعلق الأمر بالجنوب، لكن لديهم اجنداتهم المختلفة.
فالتيارات الدينية تريد إعادة بناء الدولة الإسلامية في الجنوب بعد ان سلب منها الحوثيون هذه الفرصة وفرضوا نموذجهم الديني البائس في الشمال.
وتيارات المؤتمر بتفرعاتها مع حلفائها تخطط لإعادة بناء دولة آل عفاش في الجنوب، بعد أن اخفقت في بنائها من خلال التحالف مع الحوثي، واستحواذ الأخير على كامل الكعكة في صنعاء.
وقد يتحالف الطرفان لينتجا دولة ١٩٩٤م، التي صنعاها بالغزو والاجتياح وضم الجنوب.
وفي ظل هذه اللوحة المعقدة يبدو مفهوماً ذلك التشاؤم من قبل الكثيرين الذين يتشككون في وفاء هذا التحالف (المؤتمري-الديني) بتعهداته تجاه الجنوب التي يعتمد فيها على العبارات الهلامية، كما ورد على لسان رئيس الوزراء عند قراءته للبيان الختامي للمشاورات.
والسؤال الآن هو: في ظل هذه اللوحة المعقدة هل يمكن الرهان على هذه المخرجات أن تؤدي إلى حل الأزمة اليمنية، ووقف الحرب وإحلال السلام؟
ناهيك عن حل القضية الجنوبية وفقاً لتطلعات الشعب الجنوبي، بعيداً عن ثنائيات الفرع والاصل، المنتصر والمهزوم، المتبوع والتابع؟
ذلك ما يمكن تناوله في وقفة قادمة.
وللحديث بقية