منذ مبادرة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، التي اقترح فيه تعيين نائب رئيس جمهورية متفق عليه ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية إليه، جرت مياه كثيرة في نهر الحياة أوصلت اليمنيين إلى ما يشبه الاقتناع بأن تلك المبادرة حاجة ضرورية لبحث عن حل للأزمة والحرب في اليمن
كان بعض الصنميين والمتملقين السياسيين قد صبوا أنهارا من الحبر في لعن الك المبادرة والتشهير بها حتى ذهب كيري وذهبت مبادرته معه وجرى ما جرى من التقهقرات المخططة والانهيارات المدروسة فهرع النخبوين من كل حدبٍ وصوب إلى العاصمة السعودية للقبول بما سمي بـ"إعادة هيكلة الشرعية" وهو ما تجسد في قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي وما تمخض عنه مؤتمر التشاورات اليمنية اليمنية في الرياض.
هناك سؤالان يقفزان إلى واجهة الأحداث في أتون التطورات التي تعرض لها المشهد السياسي اليمني هما خلال الاسبوع المنصرم وهما:
هل ما جرى يومي 6،7 أبريل الجاري هو المقصود بإعادة الهيكلة؟ وإذا كانت الإجابة بـ"لا" فما الذي ينبغي إعادة هيكلته إذن؟
لقد استبدل منصبا الرئيس ونائبه بمجلسٍ رئاسيٍ يتكون من ثمانية أفراد أحدهم رئيسٌ للمجلس وهناك عشرات الأمور يمكن قولها حول رئيس وأعضاء هذا المجلس وحول الخلفيات السياسية والمهنية والسلوكية لكل من هؤلاء الأفراد لكن ذلك ليس موضوعنا هنا، بل إن ما يهمنا وربما ما يهم الغالبية العظمى من المواطنين هو ما الذي سيتميز به مجلس القيادة الرئاسي عما قبله؟
لا يمكن التسرع في الحكم على هذا المجلس، وإن كان أول خطاب للدكتور رشاد العليمي قد جاء بنفس مفردات خطاب الرئيسين علي عبد الله صالح وعبدربه منصور هادي، والخطاب على الدوام في السياسية يعني ما يدور في رأس صاحب الخطاب من افكار واتجاهات ونوايا ومخططات.
إن التغيير الذي ينتظره الناس هو تغيير الأفكار والتوجهات والقناعات الصنمية التي هيمنت على المشهد السياسي منذ 7/7/1994م وربما منذ ما قبل، وصارت مفردات "وحدة اليمن المعمدة بالدم، وأعداء اليمن التاريخيين، الذين يستهدفون تمزيق البلاد وتفكيك نسيجها الوطني، والمؤامرات ضد اليمن، " وأضيف إليها بعد العام 2012 "المرجعيات الثلاث" وغيرها من المفردات صارت هي الغالبة على الخطاب السياسي السائد منذ نحو ثلاثين عاماً ولم يتعلم السياسيون من كل العواصف والنكبات والانهيارات التي شهدتها البلاد، أن هذه المفردات لا علاقة لها بما ينتظره الناس منهم، وأن بعضها قد كان سببا في ما يعانيه الناس اليوم ومنذ أكثر من عقدين من أهوال وعذابات وتراجعات القهقرى في كل مناحي حياتهم المادية والمعنوية والقيمية.
ولدي يقين انك لو سألت أحد القائلين بهذه المفردات الصنمية عن فحواها وكيف هي على الأرض أو كيف يمكن تجديدها على الواقع، لما وجد تفسيرا لواحدةٍ منها.
واختصارا للموضوع أعود للقول بأن الهيكلة لا تعني شيئا ما لم تشمل هيكلة العقول وطرائق التفكير ومفردات الخطاب السياسي، بحيث يقترب السياسيون من معاناة الناس وتطلعاتهم وأمالهم، وقد لاحظنا كيف ظل المتشاورون في الرياض يتهربون من الحديث عن القضية الجنوبية التي أشبعوها غزلان وتبجحاً على مدى أحد عشر شهراً أثناء مؤتمرهم الحواري في صنعاء، حتى وجاءت المساومة على مضض في إيراد تلك الفقرة الهزيلة التي وردت في البيان الختامي لمشاورات الرياض عن قضية شعب الجنوب، بعد أن كانت عنوانا رئيسيا من عناوين مؤتمر حوار صنعاء 2012-2013م.
أشرت إلى هذه القضية كمثال من بين عشرات الآمثلة التي يمكن إيرادها للدلالة على تخشب الخطاب السياسي الذي يعكس هشاشةً وتخشباً وشيخوخةً مزمنةً في التفكير السياسي للقائمين على الحالة السياسية في اليمن.
أتوقف هنا مؤكداً أن خطابات المدح والثناء ومقالات التبجيل والإطراء لأي كان ممن جرى تعيينهم في مجلس القيادة الرئاسي لن تقنع من يعاني من الإقصاء والتهميش منذ ثلاثة عقود، ولا من نهبت أرضه وصودرت حقوقه وطُرِدَ من عمله واتُّهِم في وطنيته وأُخرِج من بلاده وزُيِّف تاريخه بأن أموره قد غدت عال العال وهو ما يزال يعيش نفس الحالة التي وجد نفسه عليه يوم 8/ يوليو 1994م، كما لن تشبع من يبحث عن طعامه في براميل القمامة ومن يبات بلا كهرباء ومن نسي آخر شهر تقاضى في مستحقاته من الراتب التقاعدي أو أجرة العمل، ومن لا يجد قيمة الدواء لطفله المريض أو أبيه المصاب بأمراض الشيخوخة أو ابنه جريح الحرب الذي أبت الشرعيات أن تتبنى مهمة علاجه.
هيكلة العقول شرطأ اساسياً للهيكلة المؤسسية وإلا بقينا حيث كنا منذ ثلاثة عقود ويزيد.
وللحديث بقية