قبل الحديث عن مسارات ومآلات الحرب الروسية الأوكرانية وما إذا كانت روسيا ستنتصر على النيتو او ستنهزم ومتى وكيف، لابد من الإقرار بالحقائق التالية:
-من استطاع ان يفتت الاتحاد السوفييتي السابق ويفكفك معسكره في اوروبا الشرقية والعالم، هو من سمح باعادة بناء الدولة الروسية الاتحادية وصعودها من جديد على النحو الذي نرى.
-ومن انفرد بحكم العالم كقطب أوحد لن يسمح لاحد ان ينازعه او يشاركه السيادة العظمى حتى لو كانت روسيا.
-امريكا وبريطانيا معا من يملكا قرار رسم السياسات وفرضها في العالم وبشكل حصري والبقية مقطورات عظمى "الصين وفرنسا وروسيا".
وطالما والامر كذلك أي ان امريكا وبريطانيا لاتريا في (تعافي روسيا) تهديدا مباشرا لمكانتهما الدولية ففي اعتقادي ان الحرب الروسية الاوكرانية ليست حرب حدود تقليدية قد تنتهي بانتهاء الاسباب الروسية المعلنة ( الضمانات الامنية وانضمام اوكرانيا الى النيتو او القضاء على النازيين الجدد) ، بل هي حرب شاملة ستتجاوز اوكرانيا الى اوروبا وربما ابعد واشمل مما نعتقد، ذاك لان روسيا تسعى الى استعادة مجدها التليد، ويدعمها كل الراغبين والحالمين بتوازن القوى في العالم من خلال ثنائية القطبين الشرقي والغربي التي سادت ثم بادت.
رأينا كيف تهاوى المعسكر الشرقي مع انهيار الاتحاد السوفييتي فقد كان اشبه بتساقط قطع الدومينو في تسلسل خطي ويحدث هذا وفقا لمصطلح (تأثير الدومينو) بسبب الترابط المتأصل في الاشياء ، فالتغيير في احد المجالات يؤدي الى تغيّرات مفاجئة في مجالات اخرى بالضرورة.
فاذا كان سقوط المنظومة سريعا وسهلا فان استعادة مكانة روسيا القطبية اشبه بالمستحيلة إذ لن تتأت باستعادة اوكرانيا وحدها بالاكراه بل باستمالة نصف اوروبا وثلث العالم ان لم يكن نصفه (مساحة وسكان وثروات)، واذا كان المجد السوفييتي قد صنعته ومدته وغذته الايديولوجيا السياسية والاقتصادية التي اتخذتها دول المعسكر الشرقي مذهبا ينظم حياتها ويوجه سياساتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية بالآخر ، فان روسيا اليوم لا تحتاج الى مذهب مماثل بل الى معجزة خارقة او ما يشبه طائر العنقاء لتنفخ في رمادها فتنبعث قطبا عالميا فاعلا في رسم السياسات الدولية وتوجيه دفتها وفقا لمشيئة روسيا وليس دولة عاجزة ليس لها من عظمتها الا الفيتو .
اكاد اجزم ان زمن القطبين والمعسكرين قد ولى الى غير رجعة وان اتساع رقعة الحرب الروسية الاوكرانية ستفرض تعديلات جوهرية على الانظمة والقوانين الدولية بعد ان انتهكها رعاتها وحماتها العظام ان لم تضع نهايات الحرب اللبنات الاولى للنظام العالمي الجديد الذي نجم له المنجمون وعمل من اجله العاملون واولهم كونداليزا رايس .
نظام عالمي جديد في شكل تجمعات او تكتلات اقتصادية حرة ومتكافئة، وهو نظام لاتفرضه الجيوش ولا تسوسه الايديولوجيا ولا تتنازعه الاقطاب .
شهاب الحامد
2022/3/15