عندما وضعت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشخصية الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط بعد الاستفتاء المليوني الذي أجرته الصحيفة مطلع عام 2020 بين عشرات الشخصيات في هذا الجزء من العالم، فإن اعتلاء سموه القائمة كان محصلة لحقيقة الأفعال والتأثير لشخصية استثنائية في بلد استثنائي وفي ظرفية استثنائية. بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 كشفت كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة عن مخطط «الشرق الأوسط الجديد» الذي يستهدف المنطقة باعتبار أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل الإسلام المعتدل وأنها الجماعة التي يمكنها أن توفر الديمقراطية في العالم العربي، وفيما كانت المخططات جاهزة كان لابد للمنطقة العربية أن تنتظر تنفيذ المخططات وتحويلها إلى واقع. صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان صقرٌ عربيٌ حلّق وحدّق في ما كان يخطط ويُحاك، وواجه منازلة كبرى حانت مع اندلاع نيران العشرية الإسلاموية في نهاية 2010 وتوالي اهتزازات العواصم العربية وانتشار حرائق الكراهية التي دمرت الأوطان وشردت الشعوب، لم تكن تلك الموجة الشريرة من الهجمة الإسلاموية لتقف وتتراجع، لولا أن دولة الإمارات كانت قد أعدت العدة واستعدت لوأد الفتنة وضرب رؤوسها. لم يتأخر أو يتردد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بل كان البادئ بالدفاع عن الأمن القومي العربي، فالإمارات تؤمن بواحدية الأمن العربي كوحدة متكاملة وترفض الفراغ السياسي في أي جزء من تكوينات العرب السياسية. فكل فراغ ستملؤه الجماعات الراديكالية «المنتظرة للفراغ» على مدار عقود. الاستقراء السياسي الإماراتي كان فارقاً ووفر القراءة لواقع المنطقة وما ستذهب إليه من ما تمتلكه الإمارات من مراكز الدراسات الاستراتيجية المعتمدة على دوائر التفكير وهي واحدة من أذرع القوة الناعمة الرصينة. الإماراتيون تعاملوا بصرامة وحزم مع الأمن القومي العربي على اعتباره كلاً لا يتجزأ، هذا ما يفسر تعاطي الشيخ محمد بن زايد مع ملفات المنطقة بكل الاحترافية السياسية، فالخطر من الجماعات الإسلاموية لا يقل عن خطر القوى السياسية الطامعة في التدخل وزيادة نفوذها في عدد من البلدان العربية التي تعيش ضعفاً سياسياً أدى بها إلى ضعف جعلها قابلة أن تكون مطمعاً لتلك القوى المحيطة بالعالم العربي والراغبة في نفوذ سياسي وتوسع على حساب الأمن العربي. العقود الخمسة من عمر الإمارات صنعت بلداً يمتلك القدرة على توظيف إمكانياته لما يحقق مستهدفاته ويعزز من مصداقيته في العالم، من هنا يمكن النظر إلى شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وما تمتلكه من شجاعة وجرأة في اتخاذ القرارات ليس فقط الصعبة، بل حتى القرارات التي يمكن أن تكسر التابوهات. فأن تتحول الإمارات لوجهة في علوم الفضاء والذكاء الاصطناعي لا تقل عن قرار العلاقات مع إسرائيل وتركيا وإيران، فكلها قرارات غيرت شكل المنطقة وتوازناتها السياسية والاقتصادية. استثنائية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في أنه بدد الأوهام، وكسر مخالب الطامعين، ويبني جدراناً عالية لحماية أمن العرب. وما صنعه في ملحمة عدن الخالدة ستتوارثه أجيال بعد أجيال، عندما نردد بأن سموه زعيم الشرق الأوسط، فهذا واقع حال فرضته الشخصية الأكثر قوة في منطقة لا تعترف إلا بالأقوياء الأشداء ذوي العزائم والبصائر والضاربين بسيوفهم عدلاً، بكثير من الصبر والشجاعة، حيث بدد مخططات الطامعين وبات الشرق الأوسط الجديد موعوداً بتنافسية اقتصادية ومعرفية، فهذا عهد زعامة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد للشرق الأوسط.