في حقائق التاريخ أن جماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن تأسست بعد عام واحد من ميلادها في الإسماعيلية المصرية على يد مرشدها الأول حسن البنا عام 1928، أي أنه في 1929 ظهرت الجماعة في اليمن لذلك، فإن للجماعة قوة تنظيمية وتجذراً مجتمعياً يتجاوز غيرها من أفرع الجماعة حول العالم.
ولعل مقولة راشد الغنوشي الشهيرة بعد أن زار اليمن في تسعينيات القرن العشرين تختزل كل شيء، فلقد قال إنه اعتاد زيارة أعضاء الجماعة في البلدان العربية في السجون، إلا إنه عندما زارهم في اليمن التقى بهم في القصور.
تتحكم جماعة «الإخوان» في اليمن على أكثر من مجرد مفاصل الدولة السياسية، فهي جزء لا يتجزأ من التكوين السياسي، وكادوا في 1948 أن ينفردوا بالسلطة السياسية في المحاولة الانقلابية على الإمام يحيى حميد الدين، وتغول هذه الجماعة في النسيج اليمني جعلها ذات قدرة على المشاركة السياسية بفاعلية، وهذا ما تظهره وثائق أحد أكبر شخصياتها عبدالله بن حسين الأحمر، الذي أفصح في مذكراته عضويته للجماعة، وأن فرعها في البلاد اليمانية إنما هي امتداد للتنظيم الدولي. مما حفلت به مذكرات عبدالله الأحمر أنه أسس حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، بالتوافق مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح للتآمر على الشريك السياسي في دولة الوحدة عام 1990، وهو ما يعزز قوة الجماعة في المجتمع اليمني الشمالي ويؤكد نفوذه، وهو ما يفسر أن الجماعة استطاعت منذ اليوم الأول لتوحيد الشطرين ببدء عمليات التصفيات والاغتيالات في قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي الممثل للجنوب.
بسقوط جدار برلين حدثت تحولات دولية عميقة، لعب فيها «إخوان» اليمن دوراً مهماً، فلقد ساهموا بتأسيس تنظيم «القاعدة» كأقوى وأكثر التنظيمات المتطرفة وحشية عبر استقطاب الأفغان العرب من كل مناطق الصراعات. فمن الشيشان ويوغسلافيا تقاطر المقاتلين إلى اليمن الذي كانت فيه حرب صيف 1994 البيئة الجاذبة للمتطرفين المتعصبين، فلقد كانت فتوى تكفير شعب الجنوب تفتح شهية المقاتلين في كل مكان. فمن الجنوب يمكن أن تطلق الرصاصة لتقتل ملحداً كما أفتى بعض من علماء اليمن، فالجنوبي ملحد ومرتد مجاز قتله!
«إخوان» اليمن كانوا يمتلكون من الغطاء السياسي ما استطاعوا من خلاله الضغط على الرئيس السابق علي عبدالله صالح ليرفض تسليم القيادي في التنظيم الدولي عبدالمجيد الزنداني، وهو المتورط في شبكة إرهابية واسعة عملت على جمع الإرهابيين، وتوفير الملاذات الآمنة لهم في معسكرات الجيش والأمن، بعد سيطرة شمال اليمن على الجنوب في الصفقة التاريخية التي منحت لتنظيم «القاعدة» فرصة الوجود المتوحش من الجنوب العربي.
سعى «إخوان» اليمن إلى الاستئثار بالسلطة السياسية ضمن موجة «الربيع العربي»، وذهبوا إلى أكثر السيناريوهات خطورة، فهم لم يسقطوا نظام علي صالخ فقط بل ذهبوا إلى النقطة الأبعد بإسقاط كامل الجغرافية اليمنية في صراعات متداخلة ومتعددة لتوظيف المساحة الممتدة على جنوب الجزيرة العربية لمنطقة استنزاف مستمر للمنطقة العربية، ضمن توافقات التنظيم الدولي والحرس الثوري الإيراني بعد تأييد السعودية والإمارات لثورة30 يونيو 2013 المصرية وخلع حكم «الإخوان».
هذه المنهجية تواصلت بإسقاط خالد بحاح لتتمكن الجماعة من مفاعيل المؤسسات السياسية والعسكرية، بعد أن كاد التحالف العربي قاب قوسين من تحرير صنعاء، إلى التبديد المتعمد في مكتسبات «عاصفة الحزم». ويبقى الدجل والخداع متصلاً، وأكذوبة مراجعاتهم التي من خلالها تسللوا إلى الشرعية تؤكد أنهم ساقوا المراجعات للعبور إلى السلطة التي بها يتعمدون تحويل اليمن لمنطقة صراع مستدامة خدمة للقوى الإسلاموية ومخططاتها الشيطانية.