حالي مثل بقية عشاق مكلانا الحبيبة , فما إن يبزغ الفجر وتنفلق ظلمة الغسق إلا وأحظى بكوب من الحليب وبضع لقيمات من (الباخمري) في مسقط رأسي (حي السلام) برفقة أحد الزملاء , وغالباً ما أظفر بهذا الشيء لنفسي , فجمال منظر هذه الفاتنة وسحرها الأخاذ وأناسها البسطاء ومبانيها المكسّوة بياضاً يجعل المرء يجنح إلى الصمت مذهولاً حتى وإن كنت برفقة أحدهم .
لكن ... هذه المرة أبصرتُ رجلا وقد بدأ يسترق النظر إلي وكأنه يُريد أن يدنو باتجاهي ليخبرني أمراً مـا , فأشغلت نفسي عنه وذلك بتناولي لقيمات من الباخمري , بدا في مخيلتي إنه يعرفني , فدار حديث بيني وبين خلدي وإنني لربما أعرفه ولكن لم أتذكر أي موضع رأيته فيه, فلم أتوقع حدوث هذا السيناريو فما هي إلا ثوان حتى مكث بجواري وبدأ يعرف عن نفسه , ثم تحدث قائلاً :- " يا أخ محمد مالي أراكم انشغلتم بكتاباتكم السياسية والثقافية وكأنها ألهتكم وشغلتكم عن أمور دينكم ؟
وبرغم بشاشته التي كانت تملؤ وجهه إلا وكأن ناراً تشتعل في صدره , فباشر مكملاً حديثه :-
"واللهِ ما دنوت منك إلا لعلمي إنك إعلامي وأُريد منك إيصال رسالتي هذه , فلعل همي ينزاح ويخف حملي قليلاً , فما يحدث من تشييع للجنازة شيء مؤسف حقاً, فما إن تصلي وتتهيأ لتشييع الجنازة إلا وتنصدم بزمرة كبيرة من الناس أثناء التشييع وترى انشغالها عن الدعاء لصحابها والتهليل بالذكر.
فأنا لست بموضع أبين فيه لك فضل الدعاء أو الاختلاف فيه ,’ ولكن الشوكاني قال في 'الفتح الرباني':" لا حرج في ذلك؛ فإنه من الذكر المندوب إليه في كل حال من غير فرق بين شخص وشخص، وزمن وزمن، ومكان ومكان، وأما مجرد كونه بأصوات مرتفعة فليس في ذلك ما يوجب الكراهة، وإن كان خلاف الأُلى" انتهى حديثه .
وآسفاه بل يصل حال بعضهم والعياذ بالله إلى الإساءة وذكر الميت بسوء وكأنهم تناسوا حديث رسول لله صلى الله عليه وسلم (( أذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم )) فلو أنشغل الفرد منهم بالدعاء لكان خيراً له , فلا يدري أحد منهم , هل سيكون المحمول بعده ؟.
والطامة الكبرى في توافدهم إلى المقبرة والتجمع في هيئة زمرات كأنهم في مناسبة مــا في إحدى زوايا المقبرة , فيتذاكروا أمور دنياهم وهم في أول منازل آخرتهم !!
وكأنهم تناسوا أنه يكره للمُشيعين أن يتكلموا في المقبرة بأمور الدنيا ؛ فإن الموضع موضع عبرة وموعظة وذكرى للمؤمنين، والكلام في الدنيا يُنافي حالة الخوف الذي يسببه الموت، وكذلك الضحك والسخرية والكلام المُحرم لا يجوز بحال لاسيما في ذلك المكان , فإن أقارب الميت يكونون في مصيبة وهو يضحك !
فلو لم يحضر لكان خيراً له, فمن يوعيهم ؟ ومن يصحيهم من غفلتهم هذه ؟ وهذه رسالتي إليك , أرجو أن يكون مغزاها قد أتاك , حتى تبلغها بالوجه الصحيح , الله إني بلغت اللهم فأشهد , فهذه رسالته أرجو أن أكون بلغتها بالوجه الصحيح إليكم.