يتهلل الإعلام الموالي للشرعية فرحاً وغبطةً كلما تعالت الأصوات الساخطة على رداءة الأحوال الخدمية والمعيشية والمدنية والإنسانية عموما، في مدينة عدن، وفي الجنوب عامة.
ويحاول القائمون على هذه الوسائل الإعلامية أن يبرهنوا من خلال هذا التهليل والابتهاج، أن السبب في ما تعانيه عدن والجنوب عامةً هو ثورة الجنوبيين على نظام ٧/٧ الذي ما يزال أساطينة وكبار مفلسفيه ومنظريه هم اليوم من يتحكم في تحريك أزرة الريموت الذي يصنع كلما يجري على مساحة الجنوب من أحداث، بعد أن أوكلوا أمر الشمال لأشقائهم في المذهب والعقيدة السياسية.
هم يبتهجون لتدهور الأوضاع في الجنوب، لأن هدفهم هو تحويل الاتهام باتجاه الضحايا وتبرئة المتسبب في معاناة الجنوبيين، من خلال فلسفة خلط الأوراق وعزل النتائج عن أسبابها، وبشديد الاختصار هم يقولون أن وجود المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن والمحافظات الجنوبية هو السبب في كل ما يعانيه ابناء الجنوب من عصابات وآلام.
ليس في الجنوب كثير من الحمقى ممن تنطلي عليهم هذه الترهات، ببساطة لأن المواطن الجنوبي لديه من الفطنة الفطرية ما يجعلة يجري مقارنة بسيطة بين وضعه المعيشي والأمني والخدمي قبل ٧/٧ وبعهدها، ولن أخوض في هذه المقارنة طويلا، فالجميع يعلمها بما في ذلك مواليد ما بعد ذلك التاريخ المشؤوم.
هم يحاولون التستر على جرائم نظام ١٩٩٤م التي يصعب حصرها وفي مقدمتها تدمير منظومة الدولة وفتح الأبواب على مصاريعها للسلب والنهب والفساد والاتجار بكل شي من المشروع والممنوع إلى القيم والأخلاق والضمير البشري.
لا يمكن الفصل بين بداية التدمير في مرحلة ما بعد ٧/٧ وما تعرضت له عدن ومحيطها أثناء تسويق الجماعات الإرهابية وتسليمها مدن ومعسكرات وما تلاها من ذبح رجال الأمن والجيش والمواطنين العاديين في لحج وابين وحضرموت، ثم ما تعرضت له عدن وجاراتها في العام ٢٠١٥م من غزو وتدمير وقتل لمجرد القتل وقنص لمجرد التسلية وما تلاها من اضمحلال كل ما يدل على وجود شيء اسمه "الدولة" بعد أن هرب كبار القادة والمسؤولين وتركوا المواطن يواجه قدره أعزلاً ومنفرداً، ثم بين كل هذا وما تشهده عدن وبقية محافظات الجنوب من حرب معلنة وحروب غير معلنة على صعيد الخدمات وقطع المرتبات وإخفاء كل متطلبات الحياة الضرورية وتجويع أبناء الجنوب عمدا لإجبارهم على الركوع لسياسات نفس أساطين ٧/٧.
سينط واحد من المدافعين عن ذلك التاريخ الأسود ليقول لنا أن عدن والجنوب شهد نهوضاً عمرانياً بعد ٩٤م.
هذا الكلام يمكن شراؤه لو أن هذا (النهوض) ارتبط بمشروع تنموي مخطط مسبقا ومرتبط بتناغم بين التوسع في العمران والهجرة الداخلية وبين التخطيط الدقيق والمدروس لمتطلبات كل هذا، لكن كل ما جرى بعد ذلك العام الأغبر هو مجرد زحف ملايين المهاجرين داخلياً ونهب الاراضي والتوسع المعماري العشوائي بدون ان يرافق ذلك مضاعفة حاجات المدينة من شبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي ومحطات الوقود ومرافق تشغيل العمالة المتكاثرة بلا رقيب وكلما يدخل في ما يسمى ب(البنية التحتية).
إن العشوائية كانت سبباً من أسباب الانهيار، لكن السبب الأكبر كان التدمير الممنهج لمعالم الحياة المدنية،
أما حرب ٢٠١٥ فقد جاءت لتتمم ما عجز عن تدميره السلف، وتعود بعدن والجنوب عقوداُ وقروناً إلى الوراء.
نعم أن هؤلاء جميعا قد تقاسموا مهمة تدمير عدن وهي عملية انتقامية ممنهجة لها مهندسوها ومنظروها وممولوها ومنفذوها، واليوم تتولى السلطة الشرعية مواصلة عملية التدمير متسترة على نفسها وعلى شركائها في التدمير متهمة الضحايا بأنهم هم من يجوعون انفسهم ويحرمون انفسهم من الخدمات.
وأنا أصوغ هذه الأفكار عادت بي الذاكرة إلى الأعوام ٢٠٠٨، ٢٠٠٩، و ٢٠١٠م حينما كنا نستدعي وزير الداخلية رشاد العليمي ومن بعده مطهر المصري، للسؤال عن سبب حصول جريمة قتل او اعتداء هنا او هناك وأغلب الحالات كانت في محافظات الجنوب.
كانت إجابات الحكومة، غالبا أن القتلة معروفون "لكننا لا نستطيع القبض عليهم".
وكان كاتب هذه السطور يردد دائما أن كل حكومات العالم الفاشلة تخفي فشلها وتحاول التظاهر بالنجاح إلا الحكومة اليمنية فهي الوحيدة التي تتباهى بفشلها وتقدمه للناس على إنه إنجازٌ وطنيٌ كبيرٌ.
بعد إقالة طيب الذكر الأستاذ خالد بحاح من منصبيه كنائب لرئيس الجمهورية ورئيسٍ للوزراء، في عملية دبرت بليل كما تدبر الانقلابات، لم تعد هناك حكومة حقيقية تتحمل المسؤولية وتخجل من الفشل، فكل الوزراء ورؤسائهم ما إن يواجهوا مظاهرة سلمية تطالب بمطالب مدنية وحقوق ضرورية لضمان إبقاء المواطنين على قيد الحياة حتى يهرع الوزراء صوب المطار للرحيل إلى الخارج، بحجة أن هناك من طرد الحكومة.
ماذا تريدون يا هؤلاء؟؟
قولوا انكم تريدون أرضا بلا مواطنين، أو مواطنين بلا حقوق، أو شعبا لا يستحق إشعال لمبة الإضاءة ومروحة التحفيف من لهيب حر صيف عدن، ومواطناً لا يمرض حتى لا يطالب بالدواء وموظفاً يعمل لكن لا يحق له المطالبة بمرتبه المحجوز منذ أشهر وسنوات، في حين تتقاضون مرتباتكم، التي لا تقدمون مقابلها شيئا وبعشرات الآلاف من الدولارات الأمريكية، ثم تقولون ان المواطنين طردوكم من عدن.
أصلا ماذا جئتم لتفعلوا في عدن طالما عجزتم عن توفير متطلبات الحياة الضرورية للمواطن، وهي ابسط مهمات تقوم بها أضعف حكومة في الدنيا، بينما تتحكمون في الموارد ولا يعلم المواطن في ماذا تصرفونها ثم تتأخرون بفشلكم في تأدية أبسط واجباتكم.
المواطنون خوجوا للتظاهر وليس لطردكم، لكن يبدو انكم تريدون تحريض المواطنين لطردكم فعلا في المرة القادمة لتجدوا مبررا لفشلكم الذي تتفاخرون به.
هل عرفتم من يتمنى تخريب وتدمير عدن وكل الجنوب أم أن المسأله تتطلب مزيداً من الإيضاح؟؟؟