ستةٌ وعشرون احتفالا شهدته البلاد بذكرى ثورة 14 أوكتوبر المجيدة (التي سنحتفل الأسبوع القادم بذكراها السابعة والخمسين) منذ أن جرى وأد هذه الثورة في 7/7/1994م، وتدمير منجزاتها وطمس معالمها وتشويه معانيها، مع الاحتفاظ باسمها والاحتفاء به من منطلق الاستعراض ليس إلا، على طريقة قتل القتيل والسير في جنازته والتباكي مع الباكين عليه، والتغني بمحاسنه مع من يتغنون بها.
لم يعد هناك شيئٌ ماديٌ أو معنويٌ على هذه الأرض مما صنعته ثورة الرابع عشر من أكتوبر العظيمة، لم يصادره لصوص الثورات والثروات، حتى وهم هاربون خارج الحدود مختبئون في أبراج مشيدة، ومن أطرف الطرائف المضحكة-المبكية، أن معظم من سيحتفلون في الغد بذكرى ثورة أوكتوبر لا يعرفون عنها إلا اسمها، ولا يستطيعون ولن يستطيعوا ذكر أيٍ من أسماء شهدائها وزعمائها السياسيين وقادتها الفدائيين، ناهيك عن منجزاتها التي دمروها تدميراً ممنهجاً أو استحوذوا عليها وحولوها إلى جزء من أملاكهم الخاصة وأضافوها إلى موروثاتهم التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم، إن كان لديهم ما ورثوه.
آخر الصرخات التي سمعناها هي قول أحدهم: "سنحتفل حتى في الغرف المغلقة"، فالمهم بالنسبة لهؤلاء ليس مضمون الاحتفال وما علاقته بالناس وحياتهم ومعاناتهم وأحلامهم وتطلعاتهم وأفراحهم وأحزانهم، بل إن كل ما يهمهم هو أن هناك مسؤولين سيحتفلون، وطبعا سيحتفلون بدون شعب ولا أرض ولا جيش ولا منجز ولا دولة ولا كرامة، أو كما قال أحد مؤسسي مدرسة الفلسفة "الفوضوية" (ANACHISM) أواخر القرن التاسع عشر "الحركة كل شيء والهدف لا شيء" فصاحبنا ومن على شاكلته فلا يهمهم ماذا سيقدمون للمجتمع الذي يتبجحون باسمه ويحتفلون بذكرى ثورته الخالدة ويتسيدون على مصائر أبنائه، بل إن ما يهمهم هو البرهان على أنهم ما يزالون يحتفلون، وأن ثورة 14 أوكتوبر هي ملكهم وحدهم، استحوذوا عليها مع المنهوبات التي ظفروا بها بفضل غزوهم للجنوب عام 1994م.