الحلقة الأخيرة
بعد هزيمة الدولة القاسمية اليمنية في صنعاء على أيدي سلاطين الجنوب العربي وتكاتفهم وتوحدهم معا بدأت ملامح وحدة الجنوب العربي تبرز وتتشكل ملامحها وهويتها ولكن سرعان ما أنقض الاستعمار البريطاني على عدن وقام باحتلالها عام 1839م مما عطل تشكل وحدة الجنوب العربي كدولة واحدة لسنوات طويلة .. إلا أنها استعادت زخمها من جديد ومرت بمراحل شاقة وصعبة وسلسلة من الأحداث المتتالية نعرضها بتسلسل زمني تصاعدي على النحو التالي:
1-شكل نخبة من الشباب المتعلم والمثقف حزبا سياسيا جديدا تحت مسمى " رابطة الجنوب العربي " عام 1951م ومن أهم أهدافه دمج كل السلطنات والإمارات في كيان واحد اسمه " الجنوب العربي "
2- أسس حكام الجنوب العربي العام 1959م كيانا سياسيا جديدا تحت مسمى "اتحاد الجنوب العربي" ومثل خطوة متقدمة لبناء دولة عصرية وحديثة, وكانت تجربة سياسية فريدة قام بتدشينها سلاطين وأمراء الجنوب العربي وانضمت إليه معظم الإمارات بما في ذلك ولاية عدن.
3- وهنا نقف عند عدن حيث شهدت تطوراً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وتحول الجنوب إلى منطقة جذب لما حولها، وكان نصيب العنصر اليمني الأكبر بحكم القرب الجغرافي، فمنهم من وفد للبحث عن مصادر للرزق، ومنهم من وصل هرباً من ملاحقات سياسية خلال العهدين: الملكي والجمهوري، وبعد تكاثر هذه المجموعات تحولت إلى قنبلة موقوته ومشكلة تهدد هوية شعب الجنوب العربي لأنها لم تنصهر في المجتمع الجنوبي كغيرها من الجنسيات بشكل كلي وتناغمي بل سيطرت هذه المجموعات على النقابات والأحزاب السياسية في القيادة والقاعدة مستخدمة سلاحاً رائجاً في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وهو النزعة القومية العربية، والوحدة العربية، ويمكن القول أنها شكلت " حصان طروادة " للجنوب وسعت بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م التي قامت في اليمن إلى تركيز حملتها على:
- شن الحملات الإعلامية الرخيصة على رابطة الجنوب العربي. - تشويه صورة سلاطين وأمراء الجنوب ووصمهم بشتى أنواع السباب والشتائم للانتقاص من مكانتهم كرموز تاريخية للجنوب العربي. - استغلت المد القومي العربي وشعاراته الرنانة من خلال خطابات جمال عبد الناصر ، وسحبت زمام المبادرة من الجنوبيين لصالح العنصر اليمني، ومصادرة التاريخ وهوية الجنوب العربي ويمننته، وساعدها في ذلك الخطاب صعود الناصرية وثورة العراق والجزائر، واستغلال الخطاب القومي العربي بكل مفرداته للانقضاض على هوية شعب الجنوب العربي، واتهام حكامه ورموزه الوطنية بالخيانة والعمالة من خلال وسائل الإعلام الناصرية – اليمنية.
- تسربت العناصر اليمنية في عدن من خلال انتشارها وتكاثرها في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى العديد من الأحزاب القومية مثل : حركة القوميين العرب، حزب البعث العربي الاشتراكي، الحركة الناصرية وغيرها !!
- ساعدها في فرض الهوية اليمنية في ذلك غياب الوعي والرؤية السياسية لدى الشباب المغامرين من أبناء الجنوب الذين تصدروا العمل السياسي وكعادة العرب انقادوا لعواطفهم مما أدى إلى تخليهم عن هويتهم الجنوبية وارتضوا بمسميات إلحاق وطنهم باليمننه فظهرت وراجت في تلك الأيام الشعارات في أدبيات الجبهة القومية مثل كلمة " الجنوب اليمني المحتل" وفي الوقت نفسه كان للوجود المصري في اليمن إبان الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين الدور البارز عندما أراد عبد الناصر توجيه ضربة انتقامية لبريطانيا وطلب منها أن تحمل عصاها وترحل عن الجنوب المحتل !!!
- في حين بدأت الأجهزة المصرية بالتخطيط لضرب الوجود البريطاني في الجنوب بهدف الاستقلال الوطني في حين أن بريطانيا قد أعلنت أنها ستمنح الجنوب العربي استقلاله الكامل مطلع يناير عام 1968م!!
- وانساق المئات من القبائل والمكونات الجنوبية تحت تأثير الدعاية الناصرية التي ألهبت حماسهم والتحقوا بجبهات القتال في اليمن للدفاع عن ثورتها، واستغلت الأجهزة المصرية تلك المجاميع وأوعزت إليها البدء في إحداث القلاقل في الجنوب والتقت مصالح المصريين مع اليمنيين للانقضاض على الهوية الجنوبية، وتمثل ذلك في الميثاق الوطني للجبهة القومية ( لتحرير الجنوب اليمني المحتل ) في 22 يونيو 1962م!!
- وتم من خلالها سيطرة العنصر اليمني على الجبهة القومية سواء في تعز أو عدن ، وادعت الجبهة القومية قيادة العمل المسلح وتسلقت على أكتاف قبائل ردفان في حادثة الاشتباك المسلح الذي حدث بين تلك القبائل والانجليز صبيحة 14 أكتوبر عام 1963م والذي استغلته الماكينة الإعلامية المصرية القوية آنذاك وروجت لقيام الثورة بقيادة الجبهة القومية ضد البريطانيين مع احترامنا للنفوس الزكية التي قضت في تلك المعركة من أبناء ردفان والضالع بالذات.
- منظمة التحرير التي تشكلت في مطلع 1965م والمكونة من :
حزب الشعب الاشتراكي برئاسة عبدا لله اﻷصنج والمستقلين..وجبهة التحرير التي تشكلت في13 يناير 1966م وهي جزء من منظمة التحرير وجزء من الجبهة القومية بترتيب من مصر.
- حاول الرئيس عبد الناصر دمج الجبهتين في كيان واحد عام 1966م ولكن الدمج القسري الذي حاول عبد الناصر التوافق عليه فشل، مما أدى إلى " الحرب الأهلية في نوفمبر عام 1967م، والتي انتهت بهزيمة جبهة التحرير مما أسس لادعاء الجبهة القومية أنها الممثل الشرعي والوحيد لشعب الجنوب، وقلبت ظهر المجن للثوار الحقيقيين الذين ثاروا على بريطانيا قبل ظهورها بقرن كامل !!
- كذلك استصدرت الرابطة قرار اﻷمم المتحدة في مايو 1963م باستقلال الجنوب ...وتشكيل حكومة منتخبة من الشعب تحت إشراف اﻷمم المتحدة لتستلم السلطة من بريطانيا التي سرعان ما عقدت صفقة سرية مع الجبهة القومية لاستلام السلطة مقابل تنازلها عن التعويض المالي البريطاني الذي يقارب ال65 مليون جنيه إسترليني كتعويض مستحق للجنوب العربي !! .
وفي جنيف تفاوض وفد الجبهة القومية مع البريطانيين على الاستقلال وأعلن مسمى الجمهورية الوليدة "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" وكان العنصر اليمني حاضرا وممثلا في شخص عبد الفتاح إسماعيل أثناء توقيع وثيقة الاستقلال وبدلاً من أن يتم الاحتفال بعيد الاستقلال لدولة الجنوب العربي تبين لاحقا أننا أضعنا هويتنا وتاريخنا منذ أن فرطنا بمسمى الدولة الوليدة. التي حملت اسماً ممسوخاً ومشوهاً لا يمت للأرض والإنسان في الجنوب العربي بصلة .
د. علوي عمر بن فريد