بدأ المسؤولون الحكوميون والحزبيون اليمنيون في التسخين للتغني بأعياد اليمن التقليدية جنوباً وشمالاً، سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، كنوع من رفع العتب وممارسة عادة فولكلورية سنوية أصبحت عند البعض منهم أشبه بزيارة أضرحة الأولياء أو تهنئة أصحاب المواليد الجدد أو قراءة الفاتحة على أرواح المتوفين وسواها.
قبل العام 1990م كانت القيادة والشعب في الجنوب يحتفلان بعيد سبتمبر مثلما يحتفلان بعيدي أكتوبر ونوفمبر، وكان رؤساء الجنوب يتلقون برقيات التهاني بعيدي أكتوبر ونوفمر من رؤساء الجمهورية العربية اليمنية مثلما كانوا يتلقونها من جميع الدول الصديقة والشقيقة، لكن بعد العام 1990م وعلى الأخص بعد 1994م تنبه الحكام المنتصرون أن للشعب الجنوبي أعياداً فخطفوا هذه الأعياد وأضافوها إلى غنائمهم العقارية والمالية والسمكية والنفطية التي اغتنموها من الجنوب، وصاروا وحدهم من يحتفل بهذه الأعياد، لكنهم لا يجرؤون على الإشارة إلى منجز واحدٍ من منجزاتها ولا إلى اسم قائدٍ من قادتها أو شهيدٍ من شهدائها، لأن الثورة ومنجزاتها وقادتها وشهداءها هم أعداء في نظر هؤلاء الحكام، ولذلك طمسوا كل ما يدل على ثورة أكتوبر ومنجز الاستقلال في نوفمبر، واكتفوا بالاحتفاء بالمناسبتين وحدهما مفرغتين من كل معانيهما ومضامينهما ورمزياتهما.
لقد أفرغوا ثورة سبتمبر من أهم أهدافها وهو النظام الجمهوري، وتدريجياً أعادوا الإمامة بأبشع صورها بغضا ومقتاً وتخلفاً، ودمروا منجزات ثورة أكتوبر تدميراً ممنهجاً ولم يبقوا لها أثراً يذكر، وأهالوا التراب على ضرائح وقبور الشهداء والقادة الأكتوبريين وحذفوا سيرة حياتهم من المدونات الورقية والرقمية والوثائق الرسمية الحكومية والكتب المدرسية، وحرموا أسرهم من مستحقاتها وطردوا البعض من منازلهم، وحولوا منجز الثلاثين من نوفمبر من عنوان للحرية والاستقلال والسيادة إلى مجرد يوم تذاع فيه الأناشيد وتكتب فيه المقالات عن حدث لا يعلم معظم المحتفلين به ماذا يعني للشعب الجنوبي وماذا يمثل للامبراطورية التي ثار ضدها.
ومع كل ذلك وبدون أدنى شعور بالخجل والحياء سيحتفلون بسبتمبر وهم من حذف معانيه وأهدافه وتخلى عنها وفضل الإقامة في فنادق الاغتراب، وسيتغنون بأكتوبر بينما الأرض التي حررها ثواره تتعرض لقصف قواتهم والسكان الذين جاء من أجلهم يكتوون بنيرات الحاجة والفقر والمرض الناجم عن سياسات المحتفلين به، وسيتغنون بنوفمبر وصناع نوفمبر وحراسه معتصمون ينتظرون الإفراج عن مستحقاتهم الشهرية التي يكفلها لهم القانون والتي صادرها منهم المحتفلون مثلما صادروا الثورة والحرية والاستقلال.
هل رأيتم فجاجة وانخفاض في معدل الحياء ونقص في مستوى الأدب أكبر من سلوك هؤلاء الأدعياء الأفاقين؟؟
الرحمة لشهداء سبتمبر وأكتوبر ومن صنع فجر الثورتين ومن دفع روحه ثمنا لانتصارهما والعار على من باع دماء الشهداء واستحوذ على تاريخ نضالاتهم وحول الثورة إلى مشروع استثماري يحصد من ورائه الملايين
وكل عام والشعبين في الشمال والجنوب بخير.