يرتبط يوم 21 فبراير بذكرى انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي كرئيس للجمهورية اليمنية، لكن الجنوبيين كلما تذكروا هذا الحدث يتذكرون أنه فقط وبعد مرور سنة عليه كانوا على موعد مع مجزرة مروعة تعرض لها عدد من ناشطي الحراك الجنوبي السلمي الذي كانوا يتحفظون على السياسات التي تتبعها السلطات المحلية في محافظة عدن، والسلطة المركزية في صنعاء تجاه الجنوبيين والقضية الجنوبية.
كنت في صنعاء مشاركا في العديد من اللقاءات الحوارية التي كانت تتم على خلفية الثورة الشبابية السلمية الرائعة، وكانت الوساطات تتحدث عن مبادرة تتم دراستها في الأوساط السياسية اليمنية ومع الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي وسفراء الدول الكبرى في صنعاء(قبل أن تتبلور الصيغة النهائية للمبادرة الخليجية)، ومن بين ما تتضمنه انتخاب نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي كرئيسٍ توافقي للجمهورية اليمنية.
تبادلت شخصيا أحاديث مع الكثير من الزملاء المنسوبين إلى صف الثورة وأحزاب المعارضة، فيما إذا كانوا يعتقدون بقدرة الرئيس هادي على قيادة المرحلة الانتقالية للخروج بالبلد من أزماتها العاصفة فتعددت الآراء وتباينت الاعتقادات.
ما كان يخشاه المتشككون لم يكن عدم قدرة الرئيس هادي على التحكم في صناعة القرار وإدارة البلاد بنجاح، بل هيمنة مراكز القوى وعدم تمكين الرئيس من القيام بوظيفته بسبب السطوة التي يتمتع بها النافذون من المحسوبين على الثورة (من أحزاب المعارضة) أو من المحسوبين على الرئيس السابق وحزبه وحلفائهم، وكل هؤلاء لا يمكن الاستهانة بما لديهم من نفوذ وقدرة على عرقلة أن تحفيز عملية الانتقال وفقا للمصالح التي يتوقعون الفوز بها في الحالتين، وقد أثبتت الأيام والأسابيع والأشهر والأعوام الثمانية صحة هذه المخاوف.
بعد عام من انتخاب الرئيس هادي وفي تاريخ 21 فبراير 2013م أصرت السلطات المحلية في محافظة عدن على الاحتفال بالمناسبة وسط رفض شعبي عارم خرج فيه نشطاء الثورة الجنوبية السلمية في مظاهرات سلمية ترفض الاحتفال، لكن محافظ عدن حينها والمحسوب على الزملاء في التجمع اليمني للإصلاح ونائبه القيادي المؤتمري المعروف، ومعهما القيادات الأمنية المحسوبة على الرئيس السابق أصروا على مواجهة المحتجين والرافضين للاحتفال بالرصاص الحي وسقط بنتيجة هذه القرار الأحمق عشرات الشهداء والجرحى، وربما انتشى المحافظ الإصلاحي ونائبه المؤتمري لكن التاريخ سجل صفحة إضافية إلى الصفحات السوداء لصانعي القرار في صنعاء، بجناحيهم الإصلاحي والمؤتمري.
لم يكن رفض الجنوبيين للعملية الانتخابية رفضاً لشخص الرئيس هادي، لكنه كان رفضاً لأي انتخابات من حيث المبدأ نظرا لاستمرار تجاهل القضية الجنوبية والاحتيال عليها في مؤتمر الحوار، وإصرار صناع القرار في صنعاء على مواصلة إخضاع الجنوب بمحافظاته التي صارت ثمان لرواد وقادة حرب 1994م مع تطويع وترويض العدد القليل ممن جرى استيعابهم من المحسوبين على الطرف المهزوم في إطار منظومة 7/7.
لقد تم إخفاء البطل الرئيسي لهذه الجريمة، وحيد رشيد، وتهريبه إلى بريطانيا، وحينما حاول عدد من الناشطين الحقوقيين والمدنيين الجنوبيين في بريطانيا تنظيم حملة لرفع دعوى قضائية أمام القضاء البريطاني للمطالبة بالقبض عليه وتقديمه للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فقد استشعر الرجل الخطر ووجد من يهربه مرة أخرى ليبقى في الظل لعدة سنوات، بيد إن السلطات (الشرعية) لا تنسى من أسدى إليها جميلاً، فقد تمت ترقية الرجل إلى عضو في مجلس الشورى وصار اليوم يحظى بكل ما لا يحظى به الشرفاء والمناضلون والجرحى وذوي الشهداء.
سامح الجنوبيون الرئيس هادي على كل ما ارتكب باسم سلطاته من جرائم، وحينما جاءهم هاربا من تآمُرِ أعدائه وخذلان مدعيي مناصرته، استقبله الجنوبيون وقدموا الشهداء لمناصرته، وهم الأحوج لمن يناصرهم، لكنهم (أي الجنوبيين) لم ينسوا ولن ينسوا هذه الحادثة المروعة التي مثلت أول مجزرة ترتكب في عصر الرئيس هادي بعد مئات الحالات المشابهة التي ارتكبت في عصر سلفه.
فليتذكر المحتفون بذكرى انتخاب الرئيس هادي أن هناك من بكى ومن لا يزال يبكي بحرقة القهر ومرارة المعاناة وألم افتقاد القريب أو بتر عضو من أعضاء الجسد أو فقدان إحدى الحواس أو خيبة الأمل في المستقبل منذ السنة الأولى لانتخاب فخامته.
كل عام وأنت بخير يا فخامة الرئيس والمجد والخلود للشهداء