التقيته بعد فترة طويلة من انقطاع التواصل، وكنا قد شاركنا في حوارات وفعاليات نقاشية وثقافية على مدى أكثر من سنتين في صنعاء، خلال فترة ما أسميناه التشاور ثم الحوار الوطني خلال الأعوام 2008ـ2009م، سألته عن أحوال الناس في صنعاء وخصصت أناس بعينهم من الأصدقاء وزملاء وزميلات الشأن الثقافي والوطني عموما، وكنت قد سمعت أنه انحاز إلى المعسكر الانقلابي في العام 2014م لكنني لم أقرأ له أو عنه ما يؤكد ما سمعت.
طمأنني عن الكثير من الزملاء وترحمنا على من فقدناهم من القادة والمناضلين والمواطنين العاديين، وقال لي:
- الناس بخير والوضع لا يختلف عن المناطق المحررة وربما يكون أفضل منه في بعض الخدمات لولا عمليات قوات (العدوان).
واستوقفني التعبير، فسألته بوضوح:
ـ ما الذي يجعلكم تؤيدون الانقلاب والانقلابيين وأنتم تعلمون أنهم أصحاب مشروع كهنوتي متخلف يرتبط بأجندة خارجية تستهدف كل المنطقة العربية وتسعى إلى جعل اليمن جزء من الإمبراطورية الفارسية كما كانت قبل أكثر من 1500 عام؟
قال لي:
ـ يا صديقي الناس في محافظات الشمال لم يعودوا يفكرون بالمفاهيم الكبيرة التي لا تتصل بحياتهم اليومية, فلا يهمهم أجندات داخلية أو خارجية، ولا انقلاب أو شرعية، ولا يهمهم الكهنوتية والتقدمية، الناس يبحثون عن السلام والأمان ويحترمون من يوفر لهم الخبز والماء والدواء والكهرباء، وبصراحة (أنصار الله) أثبتوا أنهم أفضل ممن تسمونهم الشرعية، ولذلك نحن نقبل بهم ولا نؤيدهم.
قلت له:
ـ وهل تعتقد أن هؤلاء هم من يحق لهم قيادة البلد بعد مضي قرابة ستة عقود على ثورة سبتمبر، وإنهاء النظام الإمامي وقيام النظام الجمهوري ؟؟
أجاب:
ـ وماذا فعل لنا الجمهوريون منذ 1962م؟ نعم كان قادة الثورة شرفاء وفدائيين وأقوياء إرادة لكنهم كانوا إداريين فاشلين، لم ينجحوا في بناء مصنع ولا في تأمين طريق ولا بناء مشروع مياه أو شبكة صرف صحي، ولا في تطوير التعليم ولا في القضاء على الأمية والفقر ولا في تحريم حمل السلاح وإنهاء الحروب القبلية ولا حتى في تحريم العبودية، أما بعد سقوط السلال وبالذات بعد مقتل الحمدي فقد صار الجمهوريون أكثر أمامية من الإمام نفسه، ثم مستطرداً: عندما قتل الإمام أحمد كان معه سبعة أحصنة وسيارتين ولا أحد يعلم كم من الريالات والبُقَش، واليوم يربض كل قائد جمهوري تقدمي على عشرات الشركات والمؤسسات التجارية والعقارية والاستثمارية، وعشرات المليارت من الدولارات وليس الريالات والبُقَش، بينما الآلاف يعانون الجوع والمرض ومنهم من يبحث عن الطعام في براميل القمامة.
قلت له : هل يعقل أن تحاربوا الجمهورية التي دافع عنها الآباء والأجداد على مدى ستين عاما وتقبلوا سلطة القادمين من كهوف صعدة؟
وهنا قال ما كان ينتظر أن يقوله:
- يا أخي كلكم المؤيدين للشرعية تلعنون الحوثي وتنسبون إليه كل شرور الدنيا وتخاطبون الشعب في الشمال وكأنه لا يعرف الحوثي والحوثيين، وتتحدثون عن آلاف العيوب مما فيهم وما ليس فيهم، قلت لك يا أخي نحن لا نحب الحوثي لكننا نتقبله كأمر واقع، هل تعتقد يا صديقي أننا سنقاتل الحوثي وهو شرٌ قائم ومجرب ولا يمكن إنكاره ليعود لنا علي محسن وهو شرٌ أقبح وأسوأ لكنه بعيد عننا، أم إنكم تعتقدون أن علي محسن أفضل من الحوثي أو أقل منه شرّاً؟ لقد جربنا شر الحوثي وتعايشنا معه على مدى خمس سنوات، ولا يمكن أن نغامر لنستعيد شراً أسوأ سبق وأن جربناه على مدى 33 سنة.
قلت له لكن الرئيس هو عبد ربه منصور هادي وليس علي محسن سوى نائب رئيس عينه الرئيس هادي.
ضحك من قلبه وقال : طيب ولماذا لم يعين غير علي محسن؟ وكان بإمكانه أن يختار شخصاً تاريخه أنظف وأشرف؟
قلت له أرجوك دعك من ذكر الأسماء وحدثني عن المشاريع والأهداف!
قال:
طيب حدثني أنت عن مشروع علي محسن وعبدربه منصور والمقدشي! . . . يا أخي العزيز (والحديث لصاحبي) عبدربه هو موظف عند أصحاب النفوذ ذي الثلاثة عقود وأنت تعلم وأنا أعلم وهو يعلم وكل الشعب اليمني يعلم، وإلا ما معنى أن عبدربه لا يستطيع تغيير موظف في مكتبه بسبب رفض المتنفذين، وما معنى أنه لم يقدر إجبار بن معيلي على الخروج من شقرة، أو يغير المقدشي بعد كل الفضائح المرتبطة باسمه، يا صديقي (والحديث ما يزال له) أنتم وضعتمونا أمام خيارين: خيارٍ سيء قائم والناس قابلة به، وخيارٍ أسوأ قد جربناه ثلث قرن وما يزال يتعطش ليتحكم فينا ثلث قرن آخر فمن نختار القائم السيء أم القادم الأسوأ؟، ثم مختتماً: قل للشرعيين يأتون لنا بأناس محترمين ذوي سمعة طيبة ممن لم تتلطخ أياديهم بالدماء ولم تمتلء خزائنهم بالأموال الحرام وسنقاتل الحوثي من أجلهم أما إن تخيرونا بين السيء والأسوأ فسنتعايش مع السيء تجنباً للأسوأ حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
توادعنا دون أن نستكمل الحديث فقد كنت مرتبطاً بموعد مع الطبيب وكان هو في طريقه إلى محطة القطار واتفقنا على استكمال الحديث الذي لم يستكمل في وقت لاحق.