الصورة لزيارة سلطان لحج "علي عيدالكريم العبدلي (وسط) لسيئون عام 1954م
تذكرت قصة العصا والشيخ وأولاده: "الاتحاد قوة"
دعا الشيخ العجوز أولادة الأربعة عندما اشتد عليه المرض ، ولما أحس بقرب موته ، قال لهم : - آتوني بعدد من أعواد الحطب . فأحضروها .
فتناولها الشيخ وربطها في حزمة ، وقال : فليتناول كل واحد منكم الحزمة ويكسرها .
فتناولها كل شاب وحاول كسرها دون جدوى !
ثم فرّق الشيخ أعواد الحطب ، وناول كل واحد منهم عوداً وقال،
فليحاول كل منكم كسرها .فتناول الأبناء الأعواد واحداً تلو الآخر فكسروها جميعا .فقال : يا أبنائي ، هذه الأعواد كشأنكم أنتم ... إذا اتّحدتم كنتم قوة ’وإذا تفرقتهم ذهبت قوتكم . ودب فيكم الضعف والوهن .وكما قال الشاعر:
تأبي السهام إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
نقطة الضعف في الجنوب أنه لم يحكم تاريخيا حكما مركزيا قويا واحدا تحت راية واحدة.
الشعب في الجنوب شعب قبلي متعصب ومفكك ولا زالوا يعيشون بعقليات جاهلية ويتنمرون على بعضهم بعضا !!
كان في الجنوب أكثر من 22 سلطنة وإمارة ومشيحة وكل منها يتبعها 20 إلى 60 قبيلة يتفاخرون على بعضهم البعض ويستدعون أيامهم وحروبهم القبلية و تاريخهم الدموي عند كل خلاف أو أزمة تنشب بينهم.
لازالت القبلية والمناطقية والعنصرية تسكن نفوسهم وتتربع داخل عقولهم .
في نهاية الخمسينيات سعت بريطانيا و6 إمارات فقط لتأسيس اتحاد الجنوب العربي ..
عدن كانت الاستثناء الوحيد في الجنوب بكامله وكانت بينها وبين سائر الإمارات الجنوبية الأخرى فوارق حضارية ترسخت في مجتمع مدني طوال 139 عاما من الحكم البريطاني ولا مجال للمقارنة .
كان في عدن صحافة حرة وأحزاب سياسية وبرلمان وانتخابات حرة وشخصيات عالية المستوى في العلم والثقافة .
عدن فيها نقابات وإعلام بينما يسود الإمارات الجنوبية الجهل والتخلف والفارق الحضاري بينها وبين عدن شاسع جدا.
لم تنضم سلطنات القعيطي والكثيري والمهرة للاتحاد وقد عرفت بالولايات الشرقية وكان لكل منها علم وجيش وأمن ولم تنظم للدولة الجنوبية إلا في عهد الجبهة القومية وبقوة السلاح !!
عند تأسيس اتحاد الجنوب العربي لم تتفق الإمارات الغربية على رئيس أعلى للاتحاد وكانت الرئاسة دورية كل عام مما أضعف سلطتها وقد عرضت بريطانيا على السلاطين استدعاء ولي عهد العرش في العراق الأمير عبد الإله ليصبح ملكا هاشميا مقابل ابن حميد الدين في اليمن إلا إن السلاطين رفضوا الفكرة !!
الأحزاب السياسية في الجنوب :
2- حظيت رابطة الجنوب العربي بقبول واسع في كافة المناطق الجنوبية والسبب سياستها المحافظة وواقعيتها وسياستها السلمية ولكن اعتدال سياستها لم يتوافق مع السياسة الناصرية خاصة بعد التدخل في اليمن .على مستوى الإقليم كانت الرابطة والسلاطين أكثر واقعية من الأحزاب الأخرى التي تأثرت بأفكار القومية العربية وتعاملت مع محيطها بواقعية وخاصة دول الجزيرة والخليج العربي .
3- في عام 1936م فصلت بريطانيا عدن عن إدارة حكومة الهند وبرزت العناصر المستوطنة الأجنبية كقوة محركة للنشاط الاقتصادي في تكوين تكتل سياسي يحمل شعاراتها ومفاهيمها السياسية حيث أسس كل من : محمد علي لقمان وحسن علي بيومي "الجمعية العدنية التي رفعت شعار :"عدن للعدنيين"
4- انشق حسن بيومي عام 1957م عن الجمعية العدنية وأعلن حزبه الذي سماه :حزب الاتحاد الوطني التجاوب مع بريطانيا لإقامة اتحاد الجنوب العربي وبعد وفاة بيومي تولى عبد الرحمن جرجره رئاسة الحزب .
5- حزب الشعب الاشتراكي الذي تأسس عام 1963م وتزعمه عبدالله الأصنج وكانت مبادئه :إطلاق الحريات النقابية –وقف الهجرة الأجنبية - الاعتراف بالحقوق السياسية لأبناء اليمن (الشمالي) المقيمين في عدن – الإيمان أن الجنوب جزء من اليمن وكانت أفكار الحزب وطيدة مع حزب البعث الاشتراكي .
6- الحزب الديمقراطي الشعبي : تجمع النشاط الشيوعي المحدود الذي أسسه كل من :علي وعبدالله وعمر باذيب وعمر الجاوي وأبوبكر السقاف ، وكان عبدالله باذيب هو مفكر الحزب وكان على صلة بالخبراء الصينيين في اليمن وأصدر صحيفة "الطليعة " التي كانت تمثل الفكر الماركسي حتى أوقفت عام 1959م ،ثم أصدر صحيفة الأمل التي أحرقت عام 1967م ،وقد تبنى الحزب شعار الوحدة مع اليمن ،كما تبنى الخط العام للأحزاب الشيوعية في المنطقة ،إلا أن قيادة الحزب فشلت في التحرك وسط الجماهير كما فشلت في التعاون مع قيادات المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي ..
7- حركة القوميين العرب: استطاعت الحركة استقطاب بعض قيادات الرابطة عام 1959م ومنهم : قحطان الشعبي وفيصل الشعبي ومعهما 14عضوا من الحزب ومنهم :علي السلامي ،سيف الضالعي ،نورالدين قاسم ،واستمر نشاط الحركة في القاهرة بشكل محدود وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر في اليمن استغلت الحركة القتال الذي اندلع بين قبائل ردفان والقوات البريطانية واتخذت من 14 أكتوبر عام 1963م بداية للكفاح المسلح بدعم من القوات المصرية في تعز.
8- في هذا المناخ نشأت الحركات الثورية الراديكالية مستوحية أفكارها من القومية العربية والفكر الماركسي المتخفي في ردائها ولكن مع التحاق عبدالله الأصنج وعبد القوي مكاوي والسلطان أحمد بن عبدالله الفضلي والأمير جعبل بن حسين توسعت الدائرة الوطنية لتشمل جميع شرائح المجتمع من القمة إلى القاعدة وقد شجعته مصر وقد سعى الرئيس عبد الناصر إلى توحيد جميع الأحزاب السياسية في جبهة واحدة أطلق عليها :جبهة التحرير إلا أن الرابطة والجبهة القومية رفضتا الدخول فيها .
والى اللقاء في الحلقة الثانية
د. علوي عمر بن فريد