يتحدثون عن "الدستور" (الذي أقروه لأنفسهم) والذي كان سبباً في حرب اندلعت ولم تتوقف، وأهلكت الدستور والبلد التي فصل لها الدستور وشرَّدت صانعي الدستور وسكان البلد الذي فصل له الدستور، . . . يتحدثون وكأن هذا الدستور قد صار مقراً ونهائياً وإنه قد تم الاستفتاء عليه وصوت له كل الشعب، ونسوا أن الحرب اندلعت عندما اختطف الدستور ومعه الخياط الذي فصَّله.
ويتحدثون عن "الأقاليم" وكأنها قد حسمت وغدت أمراً مفروغاً منه، فيقول أحدهم "أنا من إقليم كذا ولكنني أسكن في إقليم كذا" أو يقول آخر "ندعو أبناء إقليم كذا الوقوف الموقف الفلاني من القضية الفلانية" يقولونها بثقة كاملة ولا يأبهون لرأي الناس الذين من أجلهم اخترعت الدساتير وصيغت المواثيق.
هذا النمط من التفكير ليس ابن الصدفة بل هو صبغة وراثية قادمة من كروموزومات الاستبداد وجينات الطغيان التي توارثها هؤلاء عن أسلافهم وأسلاف أسلافهم، فهم لا يعيرون اهتماماً لما يفكر به الناس الذين هم أصحاب القرار الحاسم في هذه الأمور التي تتعاطى معها البلدان ذات الأنظمة المحترمة بقدسية هي توأم لقدسية الانسان وطهارة الأوطان، لكن اصحابنا يتصرفون وكأن لسان حالهم يقول لعامة الناس منا وللشعب صاحب الشأن في هذه الأمور (المقدسة) "لقد فكرنا نيابة عنكم، وقررنا نيابة عنكم، واقتنعنا نيابةً عنكم، فلماذا ترهقون أنفسكم بالتفكير والتقرير والاقتناع وقد قمنا نحن بكل هذا بدلا منكم ؟؟؟"
يقولون هذا ثم يدعون إلى إنهاء الحرب وإطفاء نيرانها وكأنهم لا يعلمون أن بذور الحرب تنبت في رؤوسهم وفي رؤوس أشباههم الذين "لا يريدون للعالم أن يرى إلا ما يرون" على الطريقة الفرعونية.