( المنتصر في هذه الحرب هو المهزوم ) البيض اثناء حرب1994م-
قال مؤرخ وكاتب ما تم في مايو 1994م بعدن في ذلك اليوم لا يخص الدولة الجنوبية ولا يخص الشعب الذي تمثله دوليا باي حال من الاحوال ، بل هو اتفاق بين حزبين حاكمين لاغير ، و إذا كان نظام صنعاء قد اعتمد ذلك الاتفاق الحزبي كوثيقة دولية ، و قام على ضوء ذلك باحتلال أراضي الدولة الجنوبية بالقوة العسكرية ، فانه ينطبق عليه دوليا تماما ما انطبق على الاحتلال العراقي لدولة الكويت. وأن توقيع البيض بدلا عن العطاس أنقذ شعب الجنوب من هاوية اليمننة التي ستستمر إلى أبد الآبدين .
موقع "شبوه برس" ينشر هذا الموضوع للكاتب والمورخ الحضرمي "سالم فرج مفلح" كتبه في أواخر العام 2011م ونعيد نشره لأهميته :
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي العشرين ، كانت ازمة الدولة الجنوبية بهويتها اليمنية و نهجها السياسي الماركسي – اللينيني ، قد دخلت مرحلة متطورة ، تمثلت و انعكست تلك الازمة في حالة التخاصم و النزاع و الاختلاف المكشوف و العلني بين قياداتها في الحزب الاشتراكي اليمني ،
كان المجتمع الجنوبي قد سئم البرمجة الاشتراكة لحياته و مستقبله و طموحاته التي لم تغادر مرحلة الوعود الوهمية بحياة و مستقبل افضل ....، كما كان الاقتصاد الجنوبي قد دخل مرحلة خطيرة من الانكماش و الضمور ، تمثل في هشاشة و ضعف مشاريع التنمية التي ما برحت المشاريع الخدماتية اليومية .......، و اذا كانت علاقات الدولة الجنوبية الدولية قد انحصرت بالمنظومة الاشتراكية ، فان علاقاتها العربية ظلت محدودة و تراوح في مكانها تقريبا ، بحكم توجس الانظمة العربية من النهج الماركسي للدولة الجنوبية .........
"شبوه برس" يواصل نشر ما كتبه الباحث مفلح :
كانت احداث يناير الدموية عام 1986م ، هي النتيجة الحتمية لتطور أزمة الدولة و المجتمع الجنوبي ، و ما كان لذلك الحسم الدموي لتلك الازمة الا ان يزيد الاوضاع تدهورا و سوءا و تفاقما على مستوى الدولة و المجتمع ........
فقد الجيش الجنوبي اكثر من نصف امكانياته المادية و البشرية ، فقدت الدولة اكثر كوادرها القيادية الادارية و الحزبية ، وزاد الانكماش الاقتصادي حدة و سوءا على سوء ..........
كل ذلك انعكس في حالة تدمر و رفض شعبي واسع لسياسات الحزب و الدولة الجنوبية ، و ظهرت لاول مرة في كتابات صحفية و مناقشات علنية، شعبية و نخبوية ........
حاول الحزب الحاكم بعد احداث يناير مباشرة معالجة تلك الاوضاع من خلال عقد ( كونفرنس) حزبي في يوليو 1987م ، مارس فيه – كعادته – نقدا ذاتيا ، و طرحا لتصويب سياساته حسب الواقع المتحرك ، غير ان نهجه السياسي كان طبيعيا ان يحول دون التصويب الصحيح ، فكان ان جاء ذلك الكونفرنس لتعزيز الوضع الايديولوجي للحزب و الدولة ، و دون ان يحدث جديدا يذكر ....
كما حاولت الدولة الجنوبية ممثلة برئيسها المهندس حيدر العطاس ، معالجة تلك الاوضاع المتدهورة ، من خلال اقرار برنامج الاصلاح السياسي و الاقتصادي الشامل عام 1989م ، غير انه فشل فشلا ذريعا لتعارضه مع التربية الاشتراكية لكوادر الدولة المناط بها تنفيد ذلك البرنامج ، و لغياب الطبقة الوسطى التي كان البرنامج يمثل مصالحها .
كان نظام صالح في صنعاء بتكويناته السياسية و القبلية و الدينية يرقب الاوضاع في الجنوب بعين صقر نهم جائع ، و يرى فيها اللحظة المناسبة المثلى التي لن تتكرر ، و يجب اقتناصها لتحقيق ( عودة الفرع الى الاصل) تحت مسمى ( الوحدة اليمنية) حسب رؤية القوى السياسية و القبيلية ، و لتحقيق قيام ( دولة اسلامية) في الجنوب ، حسب رؤية قوى الاسلام السياسي في ذلك النظام.
و اذا كانت زيارات الرئيس صالح الى عدن تهدف لتحقيق الرؤية السياسية لنظامه ، فان التربية السياسية الوحدوية للشعب الجنوبي التي اعتمدها النظام السياسي الجنوبي ، سوف تشكل عامل ضغط على القيادة الجنوبية لصالح رؤية نظام صنعاء ، و هو الامر الذي ظهر جليا في المظاهرات التي اندلعت شرارتها في مدن الجنوب تطالب بتحقيق ( الوحدة اليمنية ) .......
كما ان رؤية قوى الاسلام السياسي في نظام صنعاء عرفت طريقها الى الجماهير الجنوبية عبر ( اشرطة الكاسيت) ، و هو الامر الذي ظهر جليا من خلال المظاهرات الجنوبية التي رفعت شعار (الاسلام هو الحل).
كان المشهد السياسي الجنوبي ينذر باحتمالات كارثية في قادم الايام و الشهور ، و كان اخطر تلك الاحتمالات هو سقوط النظام بفعل ضغط الرفض الجماهيري له و الرغبة الجامحة في التغيير الجذري للنظام ، و ايا كانت الحكومة التي سوف تأتي على انقاضه ، فانها لا تستطيع الا تنفيد رغبة الشعب الجنوبي بتحقيق الوحدة اليمنية ، عن طريق الاستفتاء أو بدونه ، و هكذا تتحقق طموحات نظام صنعاء في عودة الفرع الجنوبي إلى أحضان الاصل الشمالي ، و عندها يسقط الشعب الجنوبي في هاوية اليمننة إلى أبد الآبدين ، و هو الامر الذي يعني بالنسبة للقيادة الجنوبية – الجنوبية وصمة عار أبدية و لعنة تتجدد عبر الاجيال الجنوبية المتعاقبة.
تحقيق رؤية و هدف و مرمى تيار الاسلام السياسي يتم من خلال اسقاط النظام الجنوبي عبر هبة شعبية عارمة ، و تحقيق رؤية
القوى السياسية و القبيلية تتم من خلال ارغام النظام الجنوبي على اجراء استفتاء على الوحدة الاندماجية او توقيع رئيس الدولة المهندس العطاس على وثيقة تحقيقها .
ماحدث في عدن يوم 22مايو1990م، لم يتم بالطريقة التي تحقق أيا من أهداف أطراف الولاية السياسية والدينية لنظام صنعاء ، و ظل النظام متماسكا حتى ذلك اليوم المشهود ، بل و حافظت الدولة الجنوبية على وجودها القانوني الدولي الى اليوم.
يبدو ان القيادة ( الجنوبية) في عدن قد استعدت تماما و رتبت أوراقها – ربما منذ ما قبل احداث يناير 1986م – لتلك اللحظة التي كان تنتظرها صنعاء ، فقد مارست الكثير من التكتيكات التي توهم بان المناضل علي سالم البيض-( امين عام الحزب الاشتراكي الحاكم) هو الممثل الشرعي و الدستوري للدولة الجنوبية ، و أقصت أو كادت رئيس الدولة المهندس العطاس (رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الاعلى - رئيس الدولة) من المشهد القيادي ا لرئاسي للدولة الجنوبية ، و سار الامر على ذلك المنوال حتى توقيع البيض على اتفاق مايو 1990م.
تتخاطب منظمة الامم المتحدة مع الدول الاعضاء من خلال دساتير تلك الدول ، أي أن دستور كل دولة عضو فيها يعتبر بالضرورة وثيقة دولية من الدرجة الاولى ، فكيف يقرر دستور جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية مسألة تمثيل الدولة ؟
المادة -97-: يمثل رئيس هيئة الرئاسة الجمهورية في علاقاتها الخارجية .
و إذن ما تم في عدن في ذلك اليوم لا يخص الدولة الجنوبية ولا يخص الشعب الذي تمثله دوليا باي حال من الاحوال ، بل هو اتفاق بين حزبين حاكمين لاغير ، و إذا كان نظام صنعاء قد اعتمد ذلك الاتفاق الحزبي كوثيقة دولية ، و قام على ضوء ذلك باحتلال أراضي الدولة الجنوبية بالقوة العسكرية ، فانه ينطبق عليه دوليا تماما ما انطبق على الاحتلال العراقي لدولة الكويت.
و هكذا يتضح ان توقيع المناضل البيض على اتفاق عدن – مايو 1990م ، في الوقت الذي افشل الخطط و الاهداف و المرامي السوداء لنظام صنعاء تجاه الشعب و الدولة الجنوبية ، فانه ايضا انقد الشعب و الدولة الجنوبية من كارثة محققة ، و أوقع نظام صنعاء في كمين تاريخي لا يستطيع النجاة منه طال الزمن او قصر ، كما ان توقيع المناضل البيض استطاع ان يفتح الباب واسعا امام الشعب الجنوبي العظيم ليجعل من نضاله اليومي ضد المحتل اليمني المتخلف نضالا متواصلا لا ينقطع،لاستعادة الهوية الجنوبية الاصيلة للدولة الجنوبية المحررة ، و رفضا قاطعا للهوية اليمنية التي تبنتها الدولة الجنوبية السابقة ، التي اخرجته من التاريخ الحضاري للانسانية ، و كانت سببا في كل مصائبه و معاناته حتى اليوم.
و يبقى ان نترك الحديث عن التداعيات الدولية و الاقليمية لاحتلال الوطن الجنوبي ، التي ما كان للرئيس صالح و خاصته الا التكتم والتستر عليها بما يشبه ستر العورة ، ولا يرى قادة الجنوب الوقت مناسبا للخوض فيها ، نترك كل ذلك لحديث آخر في وقته .
بعد احتلال الجنوب في 1994م مباشرة ، شرع الدكتور ابوبكر السقاف بكتابة مقالات صحفية تحت عنوان ( الاستعمار الداخلي)، و يقول الدكتور السقاف ان الرئيس صالح في اواخر عام 1997م استدعى الاستاذ عمر الجاوي( السقاف)، يشتكي مما يكتبه الدكتور ، فقال الرئيس للجاوي : شوف ابن عمك يكتب عن الاستعمار الداخلي . فرد عليه الجاوي قائلا : كثر الله خيره لم يكتب عن الاستعمار الخارجي . و يعلق الدكتور السقاف بقوله : و يبدو ان الرئيس لم يفهم ما يقصده الجاوي .
غير ان الزيارة التي قام بها الى صنعاء السيد بطرس غالي الامين العام لمنظمة الامم المتحدة و وفد الدائرة القانونية بالمنظمة الدولية المرافق له في ديسمبر من نفس العام 1997م ، لابد ان تكون قد افهمت الرئيس صالح تماما ما يقصده الشهيد عمر الجاوي من رده عليه .
بقلم : الباحث والمؤرخ : سالم فرج مفلح
30 نوفمبر 2011م