لم يأت المبعوث الأممي مارتن غريفيث باستشراف لأفق سياسي يمكن أن يؤسس لحل الأزمة اليمنية، مازالت الأفكار الأممية عاجزة عن ابتكار حلول حقيقية تستطيع أن تخترق جمود العملية السياسية، وأن كان الأكثر سوءاً هو تلك المقايضة التي طرحها المبعوث الأممي عن قبول الحوثيين المشاركة في المشاورات التمهيدية مقابل إيقاف العملية العسكرية في الحديدة، تبدو هذه الصفقة بين الحوثيين والأمم المتحدة أكثر ما يصيب المراقبين بالخيبة من كل ما قدمته جلسة الثاني من أغسطس 2018.
طالب السيد مارتن غريفيث في إحاطته لمجلس الأمن الدولي الدعم الكامل لعقد مشاورات تمهيدية في العاصمة السويسرية جنيف على أن تعقد في السادس من سبتمبر، وهذا يعيدنا إلى نقطة الصفر عندما عقدت مشاورات (جنيف 1) في السادس عشر من يونيو 2015 أي العودة إلى أكثر من ثلاث سنوات إلى الوراء، وهي المشاورات التي لم تنتج إطاراً إيجابياً حتى بعد انعقاد (جنيف 2) وحتى مفاوضات الكويت 2016 التي استمرت لمدة مائة يوم وانتهت بدون نتائج تذكر.
السؤال الذي يُمكن أن يُطرح للسيد مارتن غريفيث هل يدرك حقيقة مهمته؟ يبدو سؤالاً محمولاً بالسخرية أو التهكم والواقع أنه سؤال في صميم مهمة السيد مارتن غريفيث الذي عليه أن يدرك مسألة مهمة وهي أنه جاء لينفذ إرادة المجتمع الدولي الذي كان قد أصدر قرار من مجلس الأمن الدولي في ابريل 2015يحمل الرقم 2216 وهو عليه أن يقوم بتنفيذ بنود هذا القرار لا أن يقدم الحلول السياسية لإنقاذ الحوثيين.
لقد كان الحوثيين ومنذ انقلابهم على الشرعية السياسية في سبتمبر 2014 يتعمدون افتعال الأزمات الإنسانية للمقايضة بها عند الاحتكام السياسي، وهذا ما حدث بالفعل عندما كانت تجري مفاوضات الكويت بتسبب المليشيات الحوثية بتفشي وباء الكوليرا بسبب الكارثة البيئية بعد تراكم النفايات في شوارع صنعاء والحديدة ليتفشى الوباء القاتل في ما يقارب العشرين محافظة ويتسبب في مقتل المئات من المصابين.
لطالما استخدمت مليشيات الحوثي البُعد الإنساني كعامل ضغط على التحالف العربي والمجتمع الدولي فهي تراهن على أنها تسيطر على أكثر من 70 بالمائة من سكان اليمن هم تحت سيطرتها وافتعال الأزمات بالنسبة للحوثيين هي مجرد ورقة من الأوراق في مواجهة الاستحقاقات السياسية، مراهنة الحوثي على هذا العامل لم يأتي من فراغ بل من الطرف المقابل لها، فالشرعية ذاتها لم تقدم ما يشفع لها في جانب تقديم الخدمات الأساسية لسكان العاصمة المؤقتة عدن وغيرها من المدن المحررة، حتى أن الحكومة الشرعية مازالت غير قادرة حتى على التلويح بمقاضاة الحوثيين أمام المحاكم الدولية على جرائم الحرب التي ارتكبت في دار سعد والتواهي في يوليو 2015، هذا العجز عند الشرعية يقابله تعنت عند الحوثيين الذين يستفيدون من أخطاء الطرف المقابل لهم.
لم نسمع في إحاطة السيد مارتن غريفيث إدانة لمليشيات الحوثي لاستهدافها مدن السعودية بالصواريخ البالستية، ولم نسمع إدانة لاستهداف الحوثيين لناقلات النفط السعودية في البحر الأحمر أو استهداف السفن الإغاثية الإماراتية وحتى لم نسمع إدانة على زرع الحوثيين لآلاف الألغام البحرية وعشرات حقول الألغام حول المدن اليمنية، هذه زاوية من الزوايا التي لا ترى منها الأمم المتحدة التي تتعمد النظر إلى زوايا أخرى حتى وإن كانت من مصادر مجهولة الهوية فالأهم أن تستمر عملية الابتزاز للتحالف العربي.
لم تكن الأمم المتحدة في اليمن جزء من حلول أزماتها بل كانت جزء من مشكلاتها فالمبعوث الأول كان الأخضر الإبراهيمي (1994) وتسبب في كارثة مازالت حاضرة والمتمثلة في اجتياح القوات الشمالية للجنوب، ثم ظهر جمال بن عمر (2011 ـ 2015) وهو الذي حرف مسار المبادرة الخليجية وشرعن انقلاب الحوثيين، ثم كان إسماعيل ولد الشيخ (2015 ـ 2018) الذي يمكن توصيف فترته بأنه كان (شاهد ما شفش حاجه)، وجاء أخيراً مارتن غريفيث الذي مازال يبحث عن الوسيلة الممكنة لإنقاذ الحوثيين، هذه هي الأمم المتحدة في اليمن بطون تمتلئ على حساب جوعى اليمن، وأموال تصرف على حساب فقراء اليمن، لذلك لا يمكن أن يكون مع الأمم المتحدة حلول ممكنة قبل أن تجيب على السؤال الأول.. هل جاء مارتن غريفيث لتنفيذ القرار 2216 أم أنه يبحث عن حلول لإنقاذ الحوثي؟