أسوأ وأخطر حالات توظيف الدين في بلاط السياسة باليمن بالعصر الحديث تمثّلَ في حالتين - على الأقل -:
أولاً: في حرب عام 1994م تلك الحرب التي استخدمت القوى الحزبية والسياسية والعسكرية بالشمال الجماعات الدينية المتطرفة كسلاح ديني فتّاك بغمار خلافاتها السياسية البحت مع الطرف الجنوبي, فالحرب أية حرب هي بالأصل شكل من أشكال السياسة- حيث شكّلت تلك الجماعات العائدة حينها من افغانستان رأس حربة وحصان رهانها الرابح بتلك الحرب ,باسم محاربة الجنوب الشيوعي- على حد وصفها له- لتصفية الشريك الوحدوي الجنوبي كمدخل لطمس الجنوب تاريخا وهوية ودولة وانتزاعه من الخارطة السياسية, وللتملص من تنفيذ المشروع الوطني الطموح الذي توافقت عليه كل القوى في مطلع ذلك العام بما فيها الفرقاء الرئيسيين لتلك الأزمة السياسية الحادة التي سبقت تلك الحرب, مشروع "وثيقة العهد والاتفاق" مستخدمة أي تلك القوى خصومتها السياسية مع الحزب الاشتراكي كمدخل لتحقيق أغراضها بشن الحرب وقتل ذلك المشروع, وهي الخصومة السياسية التي تدثرت ببراعة بثوب ديني مخادع, وما تلى تلك الحرب من هيمنة وسطوة لتلك الجماعات على مجمل الأوضاع بالجنوب ,ما تزال تداعياتها مستمرة حتى اللحظة على شكل أعمال عنف وعمليات ترويع الحياة الاجتماعية.
ثانياً: في حرب 2015م....فمن المفارقات بهذه الحرب أن يكون الشمال هو المتلقي لضربات تلك الجماعات,والجنوب هو المنطق لها ,ولأغراض سياسية بحت كذلك وبثوب ديني أيضاً, تحت مسمى محاربة" الشمال الشيعي"..تم ويتم هذا بذات الأدوات" الجماعات المتطرفة, وبنفس مفردات خطاب الإسلام السياسي وأساليبه العنيفة ,ومع التشابه في وضع الحزب الاشتراكي بالجنوب عام 94م بوضع الحركة الحوثية بالشمال عام 2015م. فكليهما المصوغ الديني لتلك الجماعات لإلباس الحربَـــين مسوح دينية خطيرة خدمة للسياسة...وتشابه متطابق تماما لوضع ما بعد الحربين من هيمنة وسطوة هذه الجماعات في الجنوب,و ما نراه اليوم في المناطق الشمالية التي وصلت إليها هذه الجماعات-في بعض مناطق تعز مثالاً-... مع فارق أن الجنوب بالحالتين 94م و2015م كان المستهدف والأكثر ضررا,فيما الشمال ناله الضرر وما زال بالأخيرة ... فما أشبه ليلة الشمال الشيعي ببارجة الجنوب الشيوعي.