ولد الشيخ أحمد.. ما له وما عليه

2018-01-25 07:39

 

ليس من المفاجئ مغادرة إسماعيل ولد الشيخ أحمد منصبه كمبعوث خاص للأمم المتحدة في اليمن، فلقد كان من المعروف سلفاً أنه سُيلقي آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن في فبراير 2017م، مغادرة ولد الشيخ تحمل ثلاثة أعوام ارتبط فيها بالأزمة اليمنية ارتباطاً قوياً، حاول اختراق الجدران الصلبة وكان قريباً في مرة واحدة ولكنه خرج بما خرج به أسلافه من دون نتيجة تذكر، بل إن الأطراف اليمنية حمّلوه مسؤولية الفشل.

 

عرف اليمن ثلاثة مندوبين للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي أولهم في حرب صيف 1994م، وسجل فشلاً ذريعاً بعدم قدرته على تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي (924 و931) اللذين يتلخصان في وقف الحرب ومنع دخول القوات الشمالية إلى الجنوب وفرض الوحدة بالقوة العسكرية، فشلت مهمة الإبراهيمي آنذاك بفرض القوات الشمالية الأمر الواقع في المحافظات الجنوبية.

 

التجربة الثانية كانت الأسوأ على الإطلاق والتي كان فيها جمال بن عمر ممثلاً للأمم المتحدة، وسبب الفشل الرئيسي أنه تسلم المبادرة الخليجية التي كانت قد استطاعت إيقاف الاقتتال داخل العاصمة صنعاء ونجحت عملياً في نقل السلطة السياسية في اليمن.

 

حدث الفشل عند تنفيذ الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية فلقد تجاهل جمال بن عمر التجاوزات العسكرية التي قام بها الحوثيون عندما أطلقوا قواتهم نحو دماج ومنها إلى عُمران ثم صنعاء وكانت تلك القوة المُفرطة تعطي دلالات واضحة على إسقاط الدولة.

 

كما أن جمال بن عمر فشل في إدارة مؤتمر الحوار الوطني بعدم التعاطي مع أطراف رئيسية تُشكل عُمق الأزمة اليمنية، فرغم أنه زار مدينة عدن والتقى مندوبين عن الحراك الجنوبي رفضوا التمثيل في المؤتمر عبر طرف أحادي، إلا أن ذلك لم يمنع بن عمر من التعاطي المسؤول، ما أدى إلى مليونيات ضخمة شهدتها عدن والمُكلا عبرت أثناء انعقاد جلسات المؤتمر عن رفضها للتمثيل.

 

كما أن المبعوث الأممي جمال بن عمر قدم في كل إحاطته لمجلس الأمن الدولي تقارير أشارت إلى التوافق السياسي وأعطى مؤشرات إيجابية، وهذا مخالف للواقع الذي كان يقول إن الحوثي أطلق ميليشياته للتعامل عسكرياً ضد الدولة الشرعية حتى مع وضع الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح في الإقامة الجبرية لم يتخذ إجراءات حيالها.

 

جاء المبعوث الأممي ولد الشيخ أحمد بعد انطلاق عاصفة الحزم وحقق في عامه الأول اختراقات سياسية على مستوى عالٍ جداً وكان قريباً من تحقيق توافق سياسي غير مسبوق قبل أن يتم إجهاض كل الجهود السياسية بعد أن انطلقت من مشاورات السلام الأولى في جنيف (يونيو 2015م) وتبعتها مشاورات بييل (ديسمبر 2015م) وهي التي عرفت عملية تبادل أسرى بين ميليشيات الحوثي والحكومة الشرعية في أهم اختراق فعليّ بين الأطراف.

 

كانت المظلة الأهم هي تلك التي شُكلت عبر الرباعية الدولية وتمثلت بكل من (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا).

 

وكانت هي التي وضعت الخطوط العريضة التي قدمت إحدى أهم المبادرات السياسية لحل الأزمة اليمنية، ولعب وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري دوراً محورياً فيها، فبعد جولة على عواصم السعودية والإمارات وعمان تشكلت خطة تقضي بترتيبات دقيقة تؤدي إلى انسحاب مليشيات الحوثي من صنعاء وتعز والحُديدة، وهي التي أطلق عليها المنطقة (أ)، واشتهرت خارطة الحل السياسي، التي أجهضت بعد أن كانت قريبة من الحل، بما أطلق عليه (خارطة كيري).

 

كذلك كان دور ولد الشيخ مُبهماً في كل ترتيبات الهُدن التي بدأت في 8 مايو 2015م كأول هُدنة معلنة، واتسمت كافة العمليات بضبابية كاملة في التوافقات حول الهُدن التي تجاوب معها التحالف العربي وعمل على وقف عمليات إطلاق وسمح لقوافل الإغاثة بالدخول للمناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين غير أنهم قاموا بالسطو عليها ثم بيعها في الأسواق وإرسالها لمقاتليهم في الجبهات.

 

تقييم الثلاث سنوات التي قضاها إسماعيل ولد الشيخ أحمد تعطي مدلولات نحو أطراف النزاع اليمنية بسلبيتها في التعاطي الإيجابي مع متطلبات السلام، فبالتأكيد لا تملك الأمم المتحدة قوة لفرض السلام حتى وإن كان اليمن تحت الفصل السابع من نوفمبر 2014م، فالسلام يحتاج إلى إرادة شجاعة تستجيب لمعاناة ملايين من أبناء الشعب اليمني الذين يدفعون ثمن كل ما يجري من احتراب.

*- البيان