تناولنا في الحلقة الأولى ما يجري من نهب للمال العام من قبل رموز الفساد داخل اليمن وخارجه كما لمحنا إلى دور تجار الحروب الذين يشعلون الفتن لتأمين مصالحهم الخاصة على حساب الدم اليمني المسفوح ظلما وجورا !!
واليوم وبعد ثلاث سنوات وقد طالت الحرب الضروس البشر والحجر والشجر أكاد اجزم بان تجار الحروب هؤلاء لا يخافون الله ولا يتقونه طالما وهم سادرون في غيهم وتجاهلوا أن هناك حساب وعقاب في اليوم الآخر عندما يقفون غدا بين يدي الله عز وجل !!
والمصيبة الكبرى أن الفئات المتصارعة على السلطة في اليمن ترفع شعارات كاذبة باسم الإسلام وتقتل الناس باسم الإسلام وهو منها براء ،و تنشر المذهبية والطائفية وتؤجج الأحقاد القبلية والعنصرية !!
وتتجاهل دين الإسلام المتسامح الزاخر بتجارب خالدة في الحكم والولاية في العصر الإسلامي الأول.. ونسوق لهؤلاء المتدثرين بعباءة الإسلام والذين يدعون أنهم ظل الله في الأرض نسوق لهم نماذج الحكم الحقيقي في الإسلام :
يقول ابن عباس : والله لقد رأيت في قميص عمر بن الخطاب وهو خليفة أربع عشرة رقعة !!
ولهذا حياه الشاعر محمد غنيم وقال :
يا من يرى عمرا تكسوه بردته والزيت أدم والكوخ مأواه
يهتز كرسي على كرسيه فرقا من خوفه وملوك الروم تخشاه
وفي عهد عمر بن عبدالعزيز كانوا يطوفون وينادون بالزكاة والصدقات في شوارع الشام فلا يأخذها احد !!
وقال عمر بن عبدالعزيز انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين !!
وقد يتهمني البعض بالجموح والخيال المنافي لما يجري في واقعنا اليوم حيث تزرع الألغام والمتفجرات في الطرق العامة وتفجر البيوت وتسفك الدماء في ربوع اليمن ويقتل الأبرياء تحت شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل واللعنة على اليهود وهي شعارات كاذبة مضلله ولكنني اجزم أن العدل موجود في عصرنا الحالي حتى في بلاد غير مسلمه ومن ذلك ما يلي :
تنزانيا :
دولة افريقية من أفقر دول العالم 80% من سكانها في الأرياف ويعيشون على الزراعة ولا تزال تحتفظ بطابعها القبلي وفيها أكثر من 120 قبيلة ويبلغ عدد سكانها حوالي 35 مليون نسمه ينتمون إلى أكثر من (120) مجموعة عرقية وكانت تعيش في فقر وتعاسة حتى هيأ الله لها احد أبنائها المخلصين فقادها إلى النهضة الحديثة فمن هو هذا الرجل؟؟ :
- دخل (جون بومبي) مدرس الكيمياء عالم السياسة عام 2015م ثم أصبح رئيسا للبلاد وشن حملة للقضاء على الفساد وقام بطرد عشرة آلاف موظف بسبب التزوير وألغى احتفالات عيد الاستقلال وحول تكاليفها لمكافحة الكوليرا وقلص عدد الوزراء من 30 إلى 19 وطلب من جميع الوزراء كشفا بأرصدتهم البنكية وممتلكاتهم واختزل مساهمة بلاده في الكومنولث من 50 عضوا إلى 4 فقط !!
زار المستشفى الرئيسي في البلاد ووجد المرضى يفترشون الأرض والأجهزة الطبية متعطلة ثم قام بسجن جميع مسئولي المستشفى وعين إدارة جديدة وأمهلها أسبوعين فقط لإصلاح الأجهزة وقاموا بإصلاحها خلال 3 أيام !!
قام بتحويل نفقات افتتاح البرلمان الجديد من 100 ألف دولار إلى 7 ألف دولار لإصلاح المستشفى ثم قلص رواتب أعضاء البرلمان وساواها مع باقي الموظفين !!
اكتشف اختلاسات مالية في جولة رئيس الوزراء لميناء دار السلام بلغت 40 مليون دولار عائدات .. واعتقل رئيس الميناء ومساعديه !!
ونحن بحاجة إلى مثل هذا الرجل في اليمن لنقضي على الفساد !!
سنغافورة :
تقع على جزيرة في جنوب شرقي آسيا ويبلغ عدد سكانها 5 مليون نسمه وهم خليط من الصينيين والملاويين والهنود وأسيويين من ثقافات مختلفة والقوقازيين وكانت تعرف بجزيرة البعوض تعاني الفقر وقلة الموارد وضعف البنى التحتية وغياب التاريخ والأساطير لملء هذه الفجوات وطوائف غير متجانسة من الأسس الأيدلوجية وحصلت على استقلالها من بريطانيا عام 1965م !!
استطاع لي كوان " ورئيسها وباني نهضتها أن يجعل سنغافورة من أهم بلدان العالم وتمكن من تجاوز أزماتها بنجاح وقضى على الفساد المالي والإداري والأخلاقي ونهب المال العام والنزاعات العرقية بين سكانها وقد اعتمدت سنغافورة على بناء الإنسان من خلال العلم والتطوير.
وأصبحت اليوم معجزة آسيا ولا تزيد البطالة فيها عن 2% وتتقدم اليوم على أغنى دول العالم بما فيها الدول النفطية والأوروبية والأمريكية وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة 297,9 مليار دولار !!
وأخيرا :
لقد سقت هاتين التجربتين من واقع عالمنا المعاصر ومن دول كانت أفقر من اليمن واشد تخلفا وسكانها ينتمون إلى عدة أعراق واستطاعت تلك الدول أن تنهض بفضل العلم الحديث والقضاء على منابع الفساد المالي والإداري والأخلاقي بفضل أبنائها واستحقت أن تحتل مراكز مرموقة في مصاف الدول الراقية .
وأعيد القول أننا بحاجة إلى جيل جديد ودماء جديدة فاليمن له حضارة عريقة وكان يحتل مكانة مرموقة منذ فجر التاريخ وليس بغريب إذا استطاع في المستقبل استعادة أمجاده الغابرة .