كنت قد قرأت قبل أيام أن عدن عرفت ما يقرب من ثلاثين ناديا ثقافيا ورياضيا توزعت بين أطراف وأطياف متعددة الاتجاهات الفكرية والثقافية والسياسية ربما، وأن أفصح هذا عن شيء فهو إثبات مسألتين مهمتين عكستا نفسيهما في الحكم الوطني في عدن بعدئذ، الأولى هي الانفتاح الواسع داخل المجتمع العدني الذي استوعب كل الأفكار والانتماءات السياسية والواجهات الثقافية ومدارسها، من مجتمع عدن والريف والمحميات كلها، حضارم ويافع وعوالق وعقارب ودثيني ولحجي، وكل هذه التجمعات من دون أن تلبس ثوب السياسة احتضنت رجال وأسماء سياسية ونقابية ظهرت في سياق النضال الوطني والنقابي وشاركت في الحكم، إلا أنها انقسمت على نفسها ولم تبادر في وضع قواسم وطنية تجمعية حمت الاستقلال وصانته، وإن تفردت الجبهة القومية بالحكم وأقصت بقساوة الجميع، ثم عادت من التفضل وتحت التهديد (أطول حوار في العالم في أصغر بلد في العالم) مشهورة المقولة حين طلب انضمام أحزاب صغيرة للتنظيم الحاكم آنذاك تحت مساره وليس جبهة متحدة أو ما يشبه الاتحاد السياسي المبارك للحكم، لكنه يملك فسحة الرأي، ومن ثم شاهدنا خروج متسارع أو انتكاسات لم تسفر عن تبصير الحكم وصيانة النظام الوطني والاستقلال والتنمية، وغرس دولة قوية بقيت حية، إذ بشر بانفكاكها في وعد وضع في الرقبة، وهو تحقيق الوحدة المنتظرة، ومن ثم انهيار الدولة الجنوبية التي عرفت أعظم ثورة بعد الجزائر عربيا طبعا، والقصد هنا أننا في عدن انتعشنا بوجود الصحافة والأحزاب والتكتلات التي عاصرت مرحلة ما قبل نوفمبر 67م، وهل كانت كل هذه التنوعات قد خدمت الاستقلال، ثم لماذا لم تستقوِ وتقف في وجه التفرد في الحكم بعدئذ.
في حضرموت شهدت تنوعات ثقافية ورياضية وتكتلات اجتماعية متعددة وترابطا كبيرا بين الأحزاب السياسية في عدن والدول العربية، أي أننا في حضرموت، ونأمل ألا يفوت القارئ هذا، أننا وقد شهدنا حراك ثقافي سياسي، ومع التميز بين كوننا سلطنتين ودولة ومحمية وليس مستعمرة بريطانية مباشرة الإدارة من الإنجليز، بينما نحن ندار من القصر ورقابة العلم البريطاني بالمكلا وسيؤن، وفي هذا أضع ما معناه أن في المكلا شهدنا الحزب الوطني في الأربعينات إلى الخمسينات، ثم نمت حركات القوميين والوطنيين الحضارم المرتبطين بتيارات تحررية من خارج حضرموت، وتطور أن ظهرت واجهات سياسية للجبهة القومية وصحفية لمنظمة التحرير وأحزاب أخرى، هناك الجبهة الشعبية الحضرمية وظهورها، والتي استلمت الاستقلال مع الجبهة القومية في حضرموت، حسبما ذكر آنذاك، ثم ظهور الحزب الاشتراكي الشعبي(قبل الاستقلال حتى لا نخلط الأمر)، وهو ضم تنوعا ووجوها منتمية وغير منتمية للكفاح المسلح، ولم يظهر حزب مناوئ أو موالٍ للقصر أو مستقل، وهناك حزب رابطة الجنوب هو جزء من وجود في عموم الجنوب وتأثر في حضرموت بعد حادثتي سيئون وقنبلة المكلا التي خسّرته اسهمه وسط قطاع أوسع من الناس، نعود ونقول من منها وقف أو تحالف ثم لعب دورا في تقرير مصير حضرموت التي لم تكن موحدة يومها وحتى لا نغالط التاريخ، أو اجل هروب الإنجليز ذلك اليوم الذي تخلوا فيه فجأة وتركوا حضرموت لمن هو أقوى في الساحة، وأنا أقصد بوضوح هنا ولا أخفي ما أريد طرحه من كان يوقف مصير حضرموت ذلك اليوم، ثم من كان يوقف السيطرة في التفرد والقسوة في الحكم بعدئذ! لم يكن هنا بديل، بغض النظر عن النوايا البريطانية أو ضعف الحكم المحلي للسلاطين والموالين، مع إن (وهذا نضعه للجيل الجديد والباحثين) مسألة ما بعد رحيل الإنجليز وضع لها اهتماما ورأينا كيف كان يناقش دستور حضرموت المستقلة في المدن والنخب وأمام الرأي العام ثم فجأة شربت الأرض ماءها، كيف حدث ذلك؟!
أعود وأنا أستعيد كل هذا وما تمتلئ به الساحة الجنوبية من تكتلات وتجمعات وجمعيات وأحزاب من أجل الجنوب كل هذا تعددية السياسة، وهناك تعددية الفكر، مع ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي وتشكيل جمعيته. هل الأمر ما أشبه الليلة بالبارحة، أم إننا نتجاوز في ظل كثير من الانتقادات ما مررنا به قبل خمسين عاما مضت؟ السؤال كل ذاك التنوع في عدن والمكلا لماذا لم يحمِ الاستقلال الأول؟! ولكم الإجابة وحريتها عن موضوع اليوم.
*- علي سالم اليزيدي