في عهد حكومة الشرعية، صار من المنجزات العظيمة أن ترسو باخرة في ميناء الزيت لتصب ألف طن من النفط لا تكفي لتشغيل كهرباء عدن لأكثر من يومين. اذ، صار رسو هذه الباخرة حدثاً مهماً وخبراً يستوجب التغطية الإعلامية بصورة مكثفة تؤكد على حقيقة أن قيادات بارزة في الدولة، من مؤسسة الرئاسة والحكومة والنفط والمصافي والكهرباء، كلها بذلت جهداً في تحقيق هذا المنجز.
ولكثرة تسليط الإعلام الضوء على مثل هكذا أخبار، صارت حتى ربات البيوت في عدن خبيرات في مجالات النفط والمصافي والكهرباء، يعرفن اسم العيسي وبواخره والبكري ومصفاته والشعبي و«كهربته»، والأهم أنهن يعرفن أن أطفالهن لم يكن بمقدورهم تشغيل التلفاز لولا توجيهات بن دغر عطفاً على أوامر الرئيس هادي.
وعلى شاكلة منجز تشغيل الكهرباء، يأتي منجز دفع المعاش نصف السنوي، فهو في عهد حكومة الغربة حدث استثنائي يشبه حدث قدوم شهر رمضان في زمن الصحابة، يتم الترويج له ستة أشهر من قبل ومن ثم الشكر لمن تكرم ووجه بصرفه ستة أشهر أخرى من بعد.
في عهد هذه الحكومة، صار حضور وزير لمجلس عزاء وكيل وزارة الإعلام، المرحوم عرفات مدابش، يتطلب توجيهاً من رئيس الحكومة تتم إذاعته في كل وسائل إعلام الشرعية في الرياض وجدة قبل أن يصل إلى الوزير المعني بالحضور، وكأننا أمام منجز يستحق أن يتعرف الناس على من قام بتحقيقه.
ومثل إنجازات الحكومة والرئاسة، تحرص المؤسسات الأدنى على أن تكون لها إنجازاتها. فشفط بحيرة مجاري في أي مديرية بعدن يُعدّ حدثاً مهماً يستحق أن تفرد له قناة «عدن» تقريراً خاصاً لا ينبغي أن يتجاهل ذكر قيادة المحافظة ووكلائها ومدراء عموم المديريات، مع حرص المراسل على أن يقف في زاوية مناسبة في ختام التقرير، تؤكد وبالصورة حضوره ومشاركته في هذا الحدث التاريخي.
للأسف، يكشف الواقع المر أن عبثاً خطيراً تمارسه الشرعية وحكومتها عبر صناعة الوهم وبيعه للناس، فهي تدرك أنها عاجزة عن أي فعل حقيقي، لكنها تصر على إشغالنا بمتابعة إنجازاتها الخرافية، والتي لا يتطلب إنجازها سوى حالة روتينية اعتيادية باعتبارها نشاطاً يومياً.
فشفط المجاري مهمة البلدية، وشراء المشتقات النفطية مهمة شركة النفط، وصرف الرواتب مهمة البنك والمؤسسات المعنية طالما توفرت السيولة النقدية، وكذلك هي باقي وظائف المؤسسات الحكومية واضحة ولا تحتاج إلى قرارات شجاعة بصرف معاش مستحق، أو صب بنزين في محطة وقود السيارات.
القرارات الشجاعة التي ينتظرها الناس هي مكافحة الفساد، وقطع أيدي الفاسدين، ووقف حقيقي لمسلسل نهب المال العام والاستئثار بالوظيفة العامة، وكشف خلايا الإرهاب ومن يدعمها ويدافع عنها من داخل المؤسسات الرسمية.
وعدا ذلك، فالدولة لا تضحك على أحد قدر ما تمنح بسطاء الناس من المسحوقين فسحة فكاهة للضحك عليها، وهي تمارس السياسة والحكم بعقلية بدائية لا تختلف عن طريقة إدارة الإمام لمملكته.