سألني بعض الزملاء عن مصير الأزمة اليمنية ومن ثم قضية الجنوب في ضوء صراع التحالف الانقلابي وعجزه عن كتم نقاط التصادم بين طرفيه.
قلت للزملاء الذين يتساءلون أن هذا الصراع هو أشبه بالصراع بين الذئب والضبع الذين قد يشتركان في اقتناص الفريسة لكنهما لا يلبثان أن يختلفا وقد يتنازعان ويقتتلان عند الاختلاف على نسبة تقاسم لحم الفريسة.
شخصيا توقعت أن يختلف الشريكان في لحظة من لحظات تحالفهما وأن يدبر كل منهما المكائد المختلفة ضد بعضهما بشتى الوسائل والسبل، وأسباب هذا التوقع كثيرة ليس أهمها حروبهما الست، ولا الإعدام اللمباشر للزعيم الأول للحوثيين بتوجيه شخصي من علي عبد الله صالح، ولا اشتراك الحوثيين في الثورة على صالح 2011م بل ـ كذلك ـ اختلاف الأهداف وتباين الأجندات وتعارض المصالح المستقبلية وتصادم الرؤى الفكرية والأيديولوجية ، كما إن كل منهما كان يخطط لتوريط الآخر في المزيد من الإيغال في الجريمة وفي استنزاف المجتمع واستنزاف كل منهما الآخر.
لكن ما لم أكن أتوقعه، وأحسب أن كثيرين لم يتوقعوه هو أن ينكشف الخلاف بينهما بهذه السرعة وفي وقت قياسي ليصل إلى هذا المستوى من التحشيد المتبادل واستعراض القوة المتبادل بل والاشتباك وتبادل القتل وهو ما قد يصل بالأزمة بينهما إلى استحالة الإيقاف أو الفرملة ومن ثم الانفجار العسكري المدوي.
ما يهمنا هنا هو إلى أين تتجه الأمور بالأزمة اليمنية وبالقضية الجنوبية بعد هذا الاختلاط السريع والمفاجئ للأوراق؟
في ظني أن سيرورة الأزمة اليمنية وبالتالي القضية الجنوبية يتوقف في جزء كبير منه على ما سيتمخض عنه الصراع بين طرفي الانقلاب، فإن سارعا باتجاه الافتراق النهائي فإن هناك احتمالان لهذا الافتراق هما: إما خروج أحدهما من التحالف (وغالبا سيكون صالح وحزبه) وتشكيل حكومة انقلابية من جانب الحوثيين وهو ما سيجعل جبهتهم أقل قدرة على المجابهة، وإذا ما صدقت تسريبات الحوثيين بأن صالح ينوي تقديم مبادرة للتصالح مع الشرعية، وهو أمر يمكن أن يقدم عليه صالح لما عرف عنه من ثعلبية وقدرة على بناء التحالفات واستبدالها ومن ثم الغدر بحلفائه، أقول إذا ما صدقت تلك التسريبات فإن جبهة الشرعية قد تكتسب مزيد من القوة، لكن إمكانية تحقيق نصر حاسم على الطرف الانقلابي (الحوثي) وفي زمن قياسي، سنكون أمراً مكلفاً وقد يستغرق وقتا طويلا نظرا للسلحفائية المشهودة في تحرك القوات الموالية للشرعية وتكرار تحريرها لأكثر من منطقة عدة مرات (صرواح وميدي مثلا).
أما إذا ما اتجه طرفا التحالف إلى المواجهة العسكرية المباشرة فإن احتمالات هذه المواجهة مفتوحة على كل الاتجاهات بما فيها استمرار المواجهة بينهما بالتزامن مع مواجهة أحدهما على الأقل لقوات الشرعية التي لا تتمتع بمستوى عالي من المهارة القتالية والقدرة الكافية لتحقيق انتصارات استراتيجية نظرا لترهل القيادات وانشغالها بتكديس الأموال جراء نهب مخصصات الحرب وحتى الاستيلاء على مستحقات الجنود والضباط وهي ثقافة أصيلة في الجيش اليمني الذي ينتسب إليه الضباط والجنود الموالون للشرعية.
ما هو مصير القضية الجنوبية في ظل هذه الاحتمالات؟
في تصوري أن الجنوبيين وقضيتهم يمرون بمرحلة دقيقة وخطيرة للغاية، وشخصيا لا أراهن على ما ستتمخض عنه لا المواجهات بين طرفي الانقلاب ولا مواجهتهم متوحدين أو متفرقين مع قوات الشرعية، لسبب بسيط أنه لا يوجد أي من هذه الأطراف الثلاثة من يمتلك القدرة على اختيار القرار الشجاع الذي يمكن أن يفضي إلى التفاعل الإيجابي مع مطالب الشعب الجنوبي والتي تتلخص في الاعتراف بفشل وحدة 1990م ومن ثم وحدة 1994م وبالتالي الإقرار بحق الشعب الجنوبي باختيار طريق مستقبله المستقل واستعاد سيادته على أرضه وبناء دولته المستقلة على حدود 21 مايو 1990م، فالرئيس هادي ما يزال يتذكر تهمة الانفصالية كلما ذكرت له قضية الجنوب، وحلفاؤه في الشرعية هم جزء من تحالف 7/7 شماليين كانوا أم جنوبيين إلا قلة قليلة ممن يتصرفون بحذر شديد خوفا من وصمهم بتهمة الانفصالية، أما طرفا الانقلاب فكلاهما ما يزالان يتعطشان لمواصلة حصد المليارات جراء فرض سلطتهما على الجنوب وسواء اتفقا أو اختلفا فيما بينهما، وسواء تنازعا مع الشرعية أو تصالحا معها فإن الجنوب هو محور كل اهتماماتهما لما يمثله من مصدر للكنوز والثروات التي حصدها البعض على مدى ربع القرن الماضي جراء نهب ثروات وحقوق وأموال ومخصصات الجنوب والجنوبيين.
إن حسم القضية الجنوبية لن يتأتى من خلال التوسل والمناشدة لا للسلطة الشرعية التي ما تزال تبدي عنادا حجريا لحقائق الأمور على الأرض ولا للأطراف الانقلابية التي لم تتعلم من فشل غزو الجنوب لمرتين وفشلها في ذلك، بل إن حسم هذه القضية الجنوبية لن يتأتى إلا من خلال تعظيم نقاط قوة هذه القضية وترجيح كفتها من خلال مزيد من الوحدة الجنوبية عبر رص صفوف الجنوبيين في بوتقة سياسية واحدة وتحويل الانتصار المؤزر الذي تحقق في 2015م إلى رافعة للذهاب نحو الاستجابة لتطلعات الشعب الجنوبي في الظفر باستعادة دولته وتحقيق حريته بعيدا عن أية وصاية أو تبعية.
وفي ظني أن قيام اللمجلس الانتقالي الجنوبي يمثل نقطة ضوء في هذا الطريق الطويل المملوء بانقاط المعتمة والمسالك الوعرة، وهو ما يحتم على القوى السياسية الجنوبية المؤمنة بعدالة القضية الجنوبية ومشروعية استعادة الدولة الجنوبية أن تكثف من التفافها حول المجلس الانتقالي الجنوبي ومساعدته ليغدو المعبر عن كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي ومن ثم المعبر عن كل الشعب الجنوبي على طريق الخروج النهائي من ورطة 1990م التي لم يجن منها الشعب الجنوبي إلا الويلات المرة والظلم المتنامي والتراجع المتواصل باتجاه القرون الوسطى.
وللحديث بقية