كان بيان عدن الصادر على المهرجان الجماهيري في ٤ مايو 2017م قد تضمن دعوة (لها قوة القرار) لإعلان قيادة سياسية جنوبية أسند إليها مهمة تمثيل الجنوب وقيادته حتى تحقيق أهدافه، وكلف اللواء عيدروس الزبيدي بتنفيذ هذه المهمة ويمكن لهذه الدعوة أن تغدو لحظة الانعطاف المهمة في تاريخ الثورة الجنوبية منذ انطلاقتها السلمية في 7/7/2007م، وهنا يمكن تناول عدد من القضايا التي قد تشهد خلطاً أو التباساً عند الاقتراب من جوهر هذه القضية وأهمها:
١. إن الجنوب ليس خال من الساسة والفعاليات السياسية ولا من الكيانات والقوى السياسية وهو بذلك لا يحتاج إلى تكوينات سياسية تضاف إلى عشرات الأسماء التي تتدرج بين حزب وتنظيم واتحاد ومجلس وهيئة وغيرها من المسميات التي تتفاوت في الحضور والتأثير لكنها جميعا تعبر عن كيانات تمارس السياسة إلى هذا الحد أو ذاك ومن الطبيعي أن الجنوب لا يحتاج إلى كيان يدخل في خصومات سياسية مع أي من المكونات السياسية القائمة بقدر حاجته إلى كيان توحيدي لتقريب القوى السياسية الجنوبية من بعضها وردم المسافات القائمة بينها. وهكذا فإن ما يحتاجه الجنوب هو كيان سياسي تحالفي عريض يقرب بين تلك العشرات من المسميات السياسية ويجمعها حول قاسم مشترك أعظم (أو أكثر من قاسم مشترك أعظم) يتفق عليه كل الشركاء في هذا التكوين التحالفي.
٢. ومن هذا المنطلق (وكما يرى كاتب هذه السطور) فإن ما ينتظر إعلانه ليس اتحاداً اندماجياً بين هؤلاء الشركاء (وهذا لا يلغي حق أي من الكيانات والهيئات القائمة أو المنتظر قيامها في الاندماج مع بعضها) لكن ما نتحدث عنه كيان جنوبي عريض يلغي التشتت والتباعد بين القوى السياسية الجنوبية من ناحية ويحفظ لكل منها استقلاليتها السياسية والتنظيمية والبرنامجية.
٣. إن الكيان الذي نتحدث عنه، لا يمكن أن يكون هيئة للحكم، لأن المهمات القائمة أمام القوى السياسية الجنوبية هي مهمات تختلف عن مهمات الأحزاب الحاكمة، وتتمثل هذه المهمات في حشد الطاقات من أجل الحل العادل للقضية المحورية الراهنة وهي استعادة الدولة الجنوبية وخلق الظروف الداخلية والخارجية وتهيئة البيئة القانونية والدستورية لتحقيق هذه المهمة وفي هذا السياق يأتي العمل من أجل تسويق القضية الجنوبية خارجيا وخلق رأي عام محلي وإقليمي ودولي يتفهم معنى ومضمون هذه القضية وتمثيل الجنوب في المحافل المحلية والإقليمية والدولية في كل ما يتعلق بالجنوب مستقبله.
4. لقد قرأت واستمعت إلى الكثير من الدعوات التي تطالب بالإسراع في أعلان هذا الكيان السياسي، وفي الحقيقة إن بناء كيان سياسي تحالفي جنوبي عريض هو أمر ملح وحتمي بعد ما نال هذا الزحم الشعبي الكبير في مهرجان ٤ مايو وبعد السنوات الطويلة التي اضاعها الجنوبيون في انتظار هذا المولود الذي تأخر كثيرا، غير إن خطوة إعلان مكون سياسي تحالفي عريض يعبر عن أوسع قطاعات الشعب الجنوبي يستدعي مجموعة من الخطوات المتأنية والمدروسة والواثقة والمضمونة النجاح تشمل ما يلي:
أ. تحديد القواسم المشتركة التي ستكون عناوين التحالف الرئيسية.
ب. التواصل مع جميع القوى السياسية الجنوبية المؤمنة بالقواسم المشتركة المتفق عليها وعدم استثناء أحد إلا من أعلن رغبته بعدم الانخراط في هذا التحالف وهؤلاء يمكن ان يبقوا أصدقاء ولسنا مضطرين للاختلاف معهم.
د. تكليف فريق من السياسيين والأكاديميين والحقوقيين والاقتصاديين وغيرهم لإعداد اتفاق مبادئ يكون بمثابة برنامج سياسي مرحلي لهذا التحالف حتى تحقيق الأهداف التي جاء إنشاؤه من أجلها.
ه. كما سيكون من بين مهمات هذا الفريق إعداد ما يمكن تسميته اللائحة الداخلية لعمل هذا التحالف والتي يفترض أن تشمل البناء الهيكلي له وبنيته القيادية والحقوق والواجبات وسوى ذلك من القضايا المتعلقة باوجه وآليات عمل هذا ال التحالفي العريض.
وأخيرا إن الثورة الجنوبية التي ينخرط فيها مئات الآلاف من الناشطين بمستويات مختلفة والتي قدمت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمخفيين قسرا والمعتقلين، والتي يتطلع ملايين الجنوبيين إلى اقترابها من تحقيق أهدافها، لا يمكن ان يقودها فصيل بمفرده كما لا يمكن أن تبلغ أهدافها في ظل تباعد وتشتت وتباعد القوى السياسية الجنوبية، ولا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا بقيادة ذات طبيعة ائتلافية عريضة تعبر عن كل أو معظم الوان الطيف السياسي الجنوبي .
ويمكن لهذه القيادة ان تشكل نواة لبلورة وتطوير الحياة السياسية للمستقبل الجنوبي القائمة على التعددية السياسية والتعايش السياسي والتنافس السياسي السلمي .
والله من وراء القصد.