حصري لــ شبوه برس - :
تسود الحيرة كل متابع للأزمة اليمنية فكلما تم الوصول إلى هُدنة تم انتهاكها ، وكلما قُدمت مبادرة تم اجهاضها ، حالة من عدم الوضوح تشهدها الأزمة في اليمن تتشابك فيها الخيوط بين أطراف سياسية اتخذت من مطالب الشعب في فبراير 2011م وسيلة لتصفية حسابات نصف قرن عرفها اليمن غارقاً منذ 26 سبتمبر 1962م في حروب لم تتوقف ومكايدات لم تنتهي .
حجر الزاوية الذي يجب أن يُفهم ويتم استيعابه هو أن السعودية عندما أطلقت عملية "إعادة الأمل" وضعت بشكل واضح وصريح أن الهدف الأساسي هو عودة المسار السياسي في اليمن ، جزئية مهمة فالرياض تبحث عملياً عن إعادة الأطراف اليمنية للتوافق السياسي ، من هنا توصلت الأطراف الدولية بعد جولتي المشاورات السياسية في جنيف إلى بلورة مبادرة سياسية يمكنها أن تُفضي لعودة الأطراف اليمنية للمسار السياسي .
في الثالث من ابريل 2016م تحدث ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لوكالة (دبلومبيرغ) بأن هناك تقدماً كبيراً في المفاوضات، وأكد عن قناعته بأن فرصة السلام ممكنة وأنها باتت أقرب من أي توقيت مضى، واصفاً المفاوضات مع الحوثيين بأنها كانت جيدة، كان وفد الحوثي متواجداً في أراضي المملكة ، وكان مندوبيه في ظهران الجنوب ، فعلى مسافة أيام من ذلك التوقيت كان موعد الهُدنة (الأهم) في 10 ابريل 2016م والتي بموجبها سيتم في الكويت اطلاق المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية في 17 ابريل 2016م .
كان التوافق على الانتقال للمرحلة السياسية بين الأطراف هو العنوان العريض وفقاً للمرجعيات الأساسية وهي المبادرة الخليجية والقرار الدولي 2216 ، حدث أن بواعث مختلفة (شككت) في نوايا الأطراف ففي قرار مفاجئ أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارات غيرت من جسم السلطة السياسية الشرعية ، فتم تجريد خالد بحاح من منصبيه كرئيس لمجلس الوزراء ونائباً لرئيس الجمهورية وتعيين علي محسن الأحمر نائباً للرئيس وأحمد بن دغر رئيساً للحكومة .
لم يتم توضيح مسببات الإجراءات التي غيرت تباعاً كامل الترتيبات السياسية التي كانت قريبة جداً من التحقق ، فطرفي الانقلاب (الحوثي ـ صالح) لم يُعطيا فرصة لتصمد الهُدنة فتم ضربها مباشرة ، وذهب وفد الانقلابيين إلى مفاوضات الكويت وفي غايتهم إسقاط الفرصة للحل السياسي ، فكان استمرار المفاوضات لأكثر من ثلاثة أشهر مجرد متاهة واسعة لم تؤدي بالفرقاء للوصول إلى منفذ للوصول لنقطة تلاقي تنجح في التوافق الممكن .
تبعات 3 ابريل 2016م انعكست على كل الأصعدة التي تُلامس الأزمة اليمنية ، فلم تنفع كل محاولات إنقاذ ما يُمكن ، فعجزت الأطراف اليمنية في أن تجتاز المفاوضات ، كما عجزت الأطراف الدولية في مساعدة اليمنيين حتى فشلت المفاوضات ، وذهبت فُرصة إحلال السلام بعيداً ، حتى أن المراقب لم يجد نجاحات تُذكر على مدار أشهر توالت لما حدث في الثالث من ابريل الذي أفضى لتشكيل الانقلابيين المجلس السياسي الأعلى الذي لم يحظى باعتراف دولي ، واستمراراً في الإجراءات الأُحادية فلقد أعلن طرفي الانقلاب في صنعاء تشكيل حكومة للانقلابيين مما زاد في تأزيم الموقف وجعل المتعامل مع طرفي النزاع في اليمن يتعامل مع عاصمتين وحكومتين واقتربت اليمن كثيراً لمشهد الكوريتيين بعد الحرب الكورية 1953م .
تحملت السعودية نصيباً من تبعات الثالث من ابريل ، فلقد شنت المليشيا الانقلابية هجمات صاروخية متوالية اعترضتها المنظومة الدفاعية السعودية بفضل الله بنجاح وتم التعامل مع صواريخ سكود التي بلغت جرأتها في استفزاز مشاعر المسلمين جميعاً عندما تم استهداف مكة المكرمة ، ومن المفهوم تماماً أن طرفي الانقلاب (الحوثي ـ صالح) كانا يرغبان عبر هذه الهجمات الصاروخية وحتى محاولات اختراق الحدود السعودية تصوير أن المعركة هي بين السعودية واليمن ، وهنا لابد وأن نعود إلى بداية المقال وتحديد الأهداف من عملية "إعادة الأمل" التي وضعت واحداً من أهم أهدافها وهي مساعدة اليمنيين للعودة للمسار السياسي .
تعثر عملية الحل السياسي في اليمن لا يمكن أن يتم تحميلها على المبعوث الدولي ولد الشيخ أو غيره من الجهات الدولية ، التعثر تتحمله المنظومة السياسية اليمنية فلقد صبت كل جهود المجتمع الدولي في محاولات متوالية لإيصال اليمنيين لطاولة تفاوض سياسية تُخرج هذا البلد من واقع البؤس إلى واقع يمكن التعاطي معه سياسياً دون الزج بالأطفال والناس ومقدرات الناس في أتون صراعات لم تتوقف على مدار خمسة عقود عرف فيها اليمن الحروب شماله وجنوبه ، وعرف فيها الفقر والبطالة والجهل والاستقواء بالقبيلة والمذهب ، حان لليمن أن يتوقف عند هذا الحد من الإنهاك ، فمازالت السعودية والخليج من بعدها تمد يدها لإنقاذ شعب لطالما أنقذته وساعدته ومدت له العون بينما حكامه أنهكوه وظلموه.
مع وصول الرئيس ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة كان ثمة رهان لدى طرف الشرعية على تمرير الصيغة الخاطئة والاستفادة من خلفية الأجندة التي يحملها صقور البيت الأبيض تجاه الإيرانيين ، قراءة ضحلة من مجموعة لم تعي ولن تعي واقع التغيرات في موازين القوى الدولية ، فلم يمهل ترامب العابثين بالملف اليمني وأمر البنتاغون بالتعامل مع العدو التقليدي للولايات النتحدة تنظيم القاعدة من الأرض اليمنية ، التدخل الأمريكي والعمليات المباشرة كشفت عوار طرفي النزاع في اليمن بوضوح فما كشفته الهجمات الأمريكية على مناطق تواجد العناصر الإرهابية أوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن العبث الذي تمارسه هذه أطراف النزاع اتاحت للإرهابيين حواضن وجدت في الصراع المحتدم فرصة للانتشار ، ووضع تساؤلاً جاء في سياق الحالة الحاضرة لماذا تحرص الحماية الرئاسية على فرض سيطرتها على مطار عدن بينما يتم ترك عناصر القاعدة في أبين مسقط رأس الرئيس هادي بدون ملاحقة تذكر؟
لا يريد شركاء ما حدث في 3 ابريل 2016م الاقتناع بأن خارطة الحل السياسي التي خرجت من الرباعية الدولية بأنها ليست فكرة وزير خارجية أمريكا جون كيري أو المبعوث الأممي ولد الشيخ ، إنما هي نتاج رؤية دولية تقدمت بها (السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا) وأن التسوية السياسية ستذهب بالرئيس هادي إلى حمل لقب رئيس سابق في سبيل إنهاء الأزمة التي أسفرت عن كشف أقنعة الفساد السياسي المتمثل في قيادات الصف الأول الذين كرسوا من خلال هذا الصراع جهدهم من أجل الاستفادة من ما توفره السلطة لهم من مكاسب مادية دون اعتبار لمعاناة ملايين من أبناء الشعب شمالاً وجنوباً ، لقد آن الآوان العودة إلى ما قبل العبث الذي طال جسم السلطة السياسية والاعتذار بشجاعة عن الخطأ الفادح والخروج من المشهد السياسي نهائياً فلم تعد تلك الوجوه تملك ما يمكن أن تقدمه للمستقبل يكفي ما صنعت وما عبثت به من مقدرات الشعب المكلوم.