كانت أبين على الدوام نقطة تمحور الاستقطابات السياسية والعسكرية ومركز للصراعات بين القوى المتنازعة.
أبين محافظة صغيرة مقارنة مع حضرموت وشبوة وحتى المهرة لكنها تتميز بجملة من الخصائص الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية والاستراتيجية تجعلها ضحية لنزاعات المتنازعين ومراهقات الطائشين وشطحات الساسة الأنانيين لعل أهم هذه الخصائص طبيعتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي كخاصرة للجنوب بها يتحد الجنوب أو ينقسم.
عندما أراد المخلوع معاقبة الرئيس هادي لاعتراضه على قصف ساحة التغيير بصنعاء بالطيران أوعز المخلوع لأجهزته العسكرية والأمنية للانسحاب من أبين وتسليمها لما سمي ب”أنصار الشريعة” وقد رأينا كيف اختفى عشرات الآلاف ممن يكونون الألوية والفيالق العسكرية والأمنية التي ربضت على صدر أبين على مدى عقدين وسلموا معسكراتهم بعتادها ومنشآتها وذخائرها وأسلحتها المتوسطة والثقيلة والخفيفة لثلة لا تتجاوز المائتين ممن جرت تنشئتهم على مدى العقدين للقيام بهذه المهمة عند الطلب.
ويقول بعض من عايشوا الأحداث أن العشرات وربما المئات من رجال الأمن والجيش خلعوا بزاتهم العسكرية وارتدوا ملابس “أنصار الشر . . .” ليساعدوهم في استكمال المهمة.
بعد ذلك يتذكر الجميع ما تعرضت له أبين من قصف ودمار وتهجير وتسفير وتخريب لم تعرف بعده عافية حتى اليوم.
قبل أشهر توصل الأهالي في زنجبار عاصمة أبين مع من يسمون عناصر داعش أو أنصار الشريعة أو القاعدة (وكلها أسماء لمسمى واحد) توصلوا الى اتفاق على انسحاب تلك العناصر بدون حرب مع بعض الضمانات التي قدمت لهم. . . ويبدو أن الانفاق تم تنفيذه لكن الفراغ بقي فراغا ولم يجد من يملأه فعادت تلك العناصر لتملأ الفراغ الذي تركه انسحابها من جديد ولو قامت السلطة المحلية بواجبها وملأت الفراغ الناجم عن انسحاب القاعدة لما احتجنا لحملة عسكرية كالتي تمت اليوم’ لكن الله قدر لنا أن نتعلم كيف نستثمر النجاح وتسخيره الى أساس لنجاحات قادمة والا فإن النصر يبقى كالهزيمة إذا لم يجد من يستثمره لتحسين معيشة الناس وتطبيع حياتهم وقطع دابر الفوضى وإعادة الأمان الى حياة المجتمع.
لا بد من تسجيل آيات التقدير والاحترام للأبطال الذين زحفوا على أبين وأجبروا فئران الإرهاب على الانسحاب والفرار، وتلك كانت النتيجة المتوقعة لكن قيمة النجاح الذي تحقق لن تتجسد في حياة الناس ولن تكتسب قيمتها إلا متى ما قامت أجهزة السلطة بواجبها في تثبيت الحضور والشروع بتفعيل الخدمات وتعزيز مراكز الأمن ومنع الفوضى والعبث اللذان يليان كل حرب.
وهنا نسجل دعوة صادق إلى أبناء أبين: لا تنتظروا قوة خرافية من الفضاء تأتي لتعيد لكم محافظتكم، ولا تحدقوا في المجهول ليحل لكم مشاكلكم. . . اشرعوا بحماية المؤسسات من العابثين، احموا المرافق الخدمية من المخربين وتعاونوا فيما بينكم ومع أجهزة السلطة المحلية على استعادة الحياة الطبيعية لأبين.
كل منكم يجب أن يكون جنديا من أجل حارته و مدينته ومديريته ومحافظته فأنتم وحدكم كفيلون بإعادة بناء ما خربه المخربون وما أفسده الفاسدون.
وللسلطات المحلية في أبين وعلى رأسها محافظ المحافظة نقول: لقد آن الأوان للتشمير على السواعد ومغادرة مقاعد الاسترخاء والشروع بتطبيب جراح أبين وإخراجها من غرفة الإنعاش التي دخلتها في العام 2011م ولم تخرج منها إلا لتعود إليها. . . ومالم تقم السلطة المحلية بواجبها فإنه سيكون من حق أبناء أبين وعلى رأسهم الناشطون المدنيون والمكونات السياسية ومن تبقى من ممثلي الناخبين في المستويات المختلفة الدعوة لاجتماع طارئ لاختيار قيادة مؤقتة للبدء بتسبير شؤون المحافظة حتى يتم تكليف من يدير هذه البقعة الغنية بالخيرات المكتظة بالكفاءات المحرومة من الرعاية اللائقة.
والله من وراء القصد.