انقضت سنة وبضعة أيام على استعادة عدن من تحالف (الحوثي ـ عفاش) الذي ألحق بها من الدمار مالم تعرفه طوال تاريخ تعرضها للغزوات والحروب وحملات العدوان، وكما يعلم الجميع فقد تزامن ذلك مع استعادة محافظات لحج والضالع ثم أبين وشبوة ومأرب، لكننا نتحدث عن عدن باعتبارها العاصمة (المفترضة) لحكومة الرئيس هادي.
ربما لا تكون السنة فترة كبيرة بالقياس الزمني، لكنها بقياس ظروف عدن واليمن بشكل عام في الشمال والجنوب، تمثل فترة طويلة تكفي لإنجاز الكثير من الترميمات لما دمره العدوان، وأقصد بالدمار ليس فقط البنيان المادي والآليات والتجهيزات المادية والتكنيكية، لكنه أيضا الدمار الاجتماعي والقيمي والخدمي والثقافي والمعنوي والنفسي، وهذا النوع من الدمار يحتاج إلى سنوات وسنوات للتغلب عليه، لكن دعونا نسأل ماذا حققت الشرعية في سبيل إعادة إعمار الأرض والإنسان والبنيان والخدمات والمعنويات والقيم؟
ولكي لا نتهم بالمبالغة في المطالب: ماذا حققت في مجال إعادة إعمار البنيان المادي فقط؟
لا يمكن للمرء أن يتصور أن عاصمة تركها رئيسها ورئيس حكومتها بلا ماء شرب ولا كهرباء وبلا وقود ولا دواء وبلا تموين ولا خدمات، بل وبلا أمن ولا استقرار وذهبا للعيش في دولة شقيقة، ومع ذلك ويدعون أنهم يسيطرون عليها ومعها 80% من مساحة البلد.
هل يعلم الرئيس هادي وإعلاميوه ورئيس حكومته ووزراؤه ماذا تعني السيطرة على الأرض؟
إن السيطرة لا تعني نشر المسلحين وبسط الهيمنة وإقامة المعسكرات ومراكز الأمن على مساحة معينة من البلد للقول بأنها تحت السيطرة، وهذا بطبيعة الحال غير موجود في عدن والمحافظات التي يقال أنها محررة، بل إنها تعني أن المسيطر يستطيع أن يحكم سلطته في المساحة المعنية وينفذ فيها القانون وبمقابل هذا يلبي مطالب الناس ويقدم لهم ما عليه من واجبات تجاههم، وأبناء عدن لا يطلبون المعجزات، لقد عرفت عدن الكهرباء ومياه الشرب النقية الموصلة إلى المنازل وبجانب كل هذا عرفت مركز الشرطة وخدمة الطوارئ الطبية والإذاعة والتلفيزيون والصحيفة وخدمة الطيران والملاحة الجوية والبحرية قبل كل شقيقاتها من مدن الجزيرة العربية والخليج، وهي اليوم تعيش بدون كل هذا، فكيف يقنعنا الرئيس هادي ومعاونوه ورئيس حكومته ووزراؤه بعدم قدرتهم على توفير هذه الخدمات الأساسية التي عرفتها عدن قبل أكثر من سبعة عقود؟ بل كيف تقنعنا دول التحالف التي أرسلت كل أنواع الأسلحة الحديثة والثمينة وتعجز عن توفير ماطور كهرباء لوقاية الناس شدة الحر وحماية أطعمتهم وأدويتهم؟
لا يمكنني أن أفهم السكوت على معاناة عدن والمدن التي يقال أنها محررة إلا على إنه عقاب متعمد تمارسه سلطة الرئيس هادي ووزراؤه ضد سكان هذه المناطق، وإلا فإن فاتورة اسبوع مما يستهلكه الضيوف المقيمين في فنادق الرياض والكويت كفيل بحل مشكلة الكهرباء في عدن والمحافظات المجاورة؟
الدولة لا تقوم بمجرد وجود رئيس ووزرا وسفارات وقادة عسكريين، الدولة تقوم بتثبيت النظام والقانون وبناء الحياة المؤسسية ومعالجة قضايا الناس وهمومهم والاستجابة لتطلعاتهم، والعيش بينهم وتلمس معاناتهم وألامهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.
وبمناسبة الحديث عن العيش بين الناس ومشاركتهم حياتهم، كيف يفسر لنا المقيمون في الرياض استمراءهم هذه العيشة في حين يكتوي الشعب بمعاناة العطش والحر والأوبئة وانعدام الخدمات والخوف وانتشار الجريمة وامتلاء الشوارع بالقمامة وغرقها بمياه الصرف الصحي؟ إن الناس مقتنعون أنكم لن تحلوا مشاكلهم إلا إذا ما عدتم إلى العاصمة وعشتم حياة أهلها، أما وأنتم ترفلون في النعيم والشعب يعيش جحيم الحاجة وسعير الغلاء وغول الأوبئة ولهيب انعدام أهم متطلبات حياته فإنكم لا تستحقون الحديث باسم هذا الشعب ناهيك عن الحديث عن السيطرة على أي نسبة مئوية من الأرض مهما تضاءلت أو كبرت.
فماذا أنتم فاعلون؟؟