منذ اندلاع الثورة الشبابية السلمية في مطلع العام 2011م والدخول في ما سمي بـ"التسوية السياسية" والتي انتهت بالتوقيع على المبادرة الخليجية ظل هاجس التقاسم هو الملمح المسيطر على كل مجريات التحركات السياسية التي صاحبت بداية الثورة ثم التسوية ثم ما سمي بالمرحلة الانقلابية، وما تلاها من تداعيات حتى الانقلاب (الحوفاشي) وما تلاه من تطورات وغزو وحرب وتدخل إقليمي ودولي.
في كل الحوارات واللقاءات منذ بدء بمشاورات جنيف ثم بييل وأخيرا الكويت بين طرفي المشكلة لا يصدر تصريح ولا يظهر موقف لأي من الطرفين اليمنيين ولا حتى للشركاء الإقليميين والدوليين إلا ويأتي التأكيد على قضية تقاسم السلطة باعتباره المحور الرئيسي لأي مخرج من الأزمة التي تعصف باليمنيين في الشمال والجنوب على السواء ، وهذا التقاسم يأتي التعبير عنه بمسميات مختلفة، تارة باسم حكومة الشراكة الوطنية، وتارة باسم حكومة الوحدة الوطنية أو الوفاق الوطني، وأحيانا باسم حكومة موسعة تتسع للجميع وغيرها من المسميات التي لا تعني سوى شيئٍ واحد وهو تقاسم السلطة بين طرفي النزاع.
عندما وقعت المبادرة الخليجية كانت حكومة الوفاق هي المخرج الرئيسي الذي تصور الموقعون عليها ، ـ أو أوهموا الآخرين ـ بأنها ستمثل الدواء الناجع للمعضلة، لكن هذا الدواء لم يلبث أن تحول إلى لعنة كانت نتيجتها الحرب المدمرة التي تعرضت لها البلاد بفعل الانقلاب وما تلاه من تداعيات.
حكومات التوافق أو الوحدة الوطنية في بلدان أخرى تمثل أداة من أدوات بناء الثقة ومواجهة تحديات ما بعد الحروب والنزاعات بجهد مشترك يؤدي إلى معالجة آثارها وإعادة الإعمار وكل ما تستدعية مراحل بناء السلام، وقد نجحت بلدان كثيرة في تجاوز ما بعد الحرب والدخول في مراحل التنمية والبناء وتحقيق تقدم ملموس في إنجاز أهداف الشراكة الوطنية، وما تجربة رواندا عنا ببعيدةط وهي التي عرفت حربا أهلية تزامنت مع حرب 1994م في اليمن، لكنها اليوم تشهد ازدهارا اقتصاديا وتنمية اجتماعية ووئاما وطنيا في طريقه إلى التعافي والاستقرار.
في اليمن أي توافق معناه استخدام أحد طرفي النزاع للكيد للطرف الآخر والحرص على إلصاق تهمة الفشل به، وما تجربة حكومة الوحدة في 22 مايو برئاسة المهندس حيدر العطاس (1990 ـ 1994م) ولا حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأستاذ محمد سالم با سندوه (2012 ـ 2014م) ببعيدة عن ذاكرة اليمنيين، ففي الحكومة الأولى كان وزراء الطرف الجنوبي وموظفوه العسكريون والمدنيون مهددين بالقتل والاغتيال في كل لحظة ووصلت القذائف الى منزل رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة واغتيل العشرات من الكوادر وتمت التصفية الجسدية لمستشار وزير الدفاع المحسوب على الطرف الجنوبي داخل معسكر الأمن المركزي الذي كان يقوده أخو الرئيس، وفي الحكومة الثانية تم تسخير النصف الممثل للمخلوع لإفشال أي جهد يبذله الطرف الآخر الذي لم يكن خاليا من الباحثين عن التسلط والنفوذ، وبناء المصالح، ولعب ما يسمى بجهاز الدولة العميقة دورا محورا في تثبيط كل جهد في تحسين أداء الأجهزة الحكومية وصارت عمليات التخريب الاقتصادي والأمني وفي قطاع الخدمات تتم بإشراف وتوجيه جزء من الحكومة لتوجه الاتهامات إلى رئيس الوزراء وبقية القصة يعرفها الجميع.
لست من المتفائلين بالخروج باتفاق عملي قابل للتطبيق بين طرفي مشاورات الكويت مهما مورس من ضغوط دولية وإقليمية على المتشاورين، لكن حتى لو تم التوصل إلى اتفاق في ظل إصرار الجميع بما في ذلك الطرف الحكومي المنقلب عليه، على أن تكون حكومة الشراكة واحدا من المخارج المنتظرة من الكويت فإن النتيجة المتوقعة هي أزمة قادمة وحرب قادمة مؤكدة ربما لا تختلف كثيرا عن الحرب الحالية إلا بمستوى استعداد الطرفين لاستخدام أدوات جديدة وخطط جديدة وتكتيكات جديدة، وربما تغيرت خارطة التحالفات لكن سيظل الطرف الذي يمثله رئيس الجمهورية هو الطرف المستهدف بالاجتثاث والاقتلاع، طال الزمن أمن قصر، فتحالفاته هشة وأنصاره يكثر فيهم الانتهازيون وأصحاب المصالح والمشهورون بالمواقف المتقلبة، والباحثون عمن يضمن لهم مصالحهم والمتضررون من الحل العادل للقضية الجنوبية التي رفض المتحاورون في الكويت التعرض لها حتى بتصريح صحفي، كما إن انتماء الرئيس نفسه كمواطن جنوبي، غير مسنود بمراكز قوى قبلية وعسكرية ودينية ولا حتى تجارية أو بيروقراطية يجعله موضع مساومة سهلة بين الأطراف المتنازعة التي قد تتخلى عنه في أي لحظة مقابل الحفاظ على توازن مصالحها (المشروعة وغير المشروعة) وتلك تعقيدات يمكن التوقف عندها في سياق تناولات قادمة.
لعنة التقاسم هي اللغم القابل للتفجير في طريق كل تسوية يراهن اليمنيون الخروج بها من مشاورات الكويت أو أي مشاروات قادمة، وأتمنى أن أكون مخظئا في تقديراتي لكن الأيام وحدها كفيلة بإثبات صواب هذا التقدير من خطأه.