قبيل مغادرته صنعاء إلى عدن ثم إلى المملكة العربية السعودية، بعد نجاحه في الإفلات من قبضة التحالف الحوفاشي، كان العديد من السياسيين البارزين يصرحون ويكتبون ويتحدثون في الملتقيات والفعاليات الرسمية وغير الرسمية معلنين لعناتهم على الرئيس عبدربه منصور هادي، وكثيرون منهم كانوا لا يترددون في إعلان تأييدهم لتحالف الحوافش ويجاهرون بترديد شعاراته والتصفيق لخطابات قادته، ومثل هؤلاء كانت تفعل المؤسسات والمنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي يديرها أو يمولها الكثير من هؤلاء والصحفيون والإعلاميون الناطقون باسمهم، أفرادا أو مؤسسات وهيئات ومنظمات، وتكفي العودة إلى ما كانت تنشره تلك المواقع والصحف خلال الأشهر سبتمبر / 2014م، ـ مارس /2015م لتنكشف الصورة جليا عن صحة ما نقول.
وعندما جاءت عاصفة الحزم وتلتها الدعوة لعقد مؤتمر الرياض سارع العشرات، وربما المئات من هؤلاء لتأييد الرئيس وتأييد عاصفة الحزم، بل وحضور مؤتمر الرياض والحصول على المكافأة المعنوية والمادية على كل هذه المواقف، بغض النظر عن عودة البعض إلى معسكر التحالف الانقلابي.
تأييد الأقوى ولأكثر قدرة على العطاء، وصاحب المأدبة الأعلى دسما في اليمن ليست ظاهرة طارئة، ولا تقتصر على عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي، بل هي ظاهرة تاريخية ملازمة للحياة السياسية اليمنية، وكثير من الوجوه المحيطة بالرئيس هادي قد عملت مع أكثر من رئيس جنوبي أو شمالي بدءا بالرئيس الشهيد سالمين والرئيس الشهيد عبد الفتاح اسماعيل فالرئيس علي ناصر محمد ثم علي سالم البيض وحيدر العطاس، وكذا مع الشهيد الحمدي فالرئيس الغشمي ثم مع علي عبد الله صالح، وهم اليوم يقفون في صف الرئيس عبد ربه منصور هادي، وغدا سيؤيدون من يأتي بعد الرئيس هادي حتى لو جاء منقلبا على عهد هادي أو معاديا لنهجه.
المتحلقين حول الرئيس هادي كثيرون وقليلون جدا منهم جاؤوا من ساحة الثورة في الشمال والجنوب، وهؤلاء يمكن القول أنهم الأقل تلوثا بالصراعات السياسية ومفاسد السلطة وأوساخها، لكن المرء يخشى عليهم من عدوى الفساد التي تنتشر كالوباء بين من كل يقترب من هذه السلطة المملوءة بالملوثات والأوبئة، لكن الغالبية ممن يحيطون بالرئيس لم يذهبوا تأييدا للثورة التي صارت في سراديب النسيان، بل لم يذهبوا حبا وتأييدا للرئيس هادي بل استثمارا للفرص التي تمكنهم من مراكمة الملايين ومضاعفة أرصدتهم في بنوك الخليج وأوروبا وماليزيا وتركيا وغيرها، . . . ويتداول الناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي الحديث عن قادة عسكريين ومسؤولين سياسيين أثروا ثراء فاحشا خلال السنتين الأخيرتين، من خلال المناصب التي تبوأوها بعد نزوح الرئيس هادي والتحاقهم به، وهم يواصلون تكديس الملايين كلما طالت فترة الحرب واستمرت الأزمة السياسية اليمنية، ولذلك فليس هناك ما يقلق هؤلاء أكثر من حدوث انفراج في الأزمة اليمنية والذهاب نحو تسوية سياسية لأن ذلك سيعني انسداد الحنفية التي تقطر عليهم ذهبا، بغض النظر عن أن حنفيات أخرى ستفتح لهم، هم ربما يعدون العدة لاستقبالها.
إنه الاستثمار في السياسية وتحويلها إلى مصدر للإثراء والكسب السريع بأقل الأتعاب، بل إنه الاستثمار في التحيز لرئيس الجمهورية وإعلان تأييده، وهذا النوع من الاستثمار هو أقصر الطرق إلى الدخول إلى عالم المليارديرات بدون أي خبرة أو مؤهل أو جهد ذهني أو عضلي أو حتى رأسمال أساسي.