الشعوب تبحث عن حياة عادية ؛ لقمة عيش وأمن والحد الأدنى من الصحة والتعليم . . . وكذلك كان اليمنيون في 2011 ؛ لم يثورا ضد الرئيس صالح لإيمان بأيدلوجية معينة ، بل من أجل تحسين مستوى معيشتهم . . . حتى حزب -صالح- المؤتمر طالته رياح التحول وانحاز الكثير من أعضائه إلى الثورة ، وكذلك كان حال المؤسسات العسكرية والأمنية والقبائل (قوة صالح الضاربة) أنضموا إلى الثورة وتخلَّوا عنه .
لكن الثورة لم تأتي بالخير الذي تمناه اليمنيون ؛ فقد تفاجأوا بانقسام الثوَّار بعد حوار الموڤنبيك -2014- وتعمَّق الشرخ واقتتلوا فيما بينهم ، وأنطلقت الحرب الشاملة في فبراير 2015 في الشمال ثم لحقتها في الجنوب في 25 مارس 2015 ؛ فانقسموا إلى فريقين (سلطة شرعية وسلطة انقلابية) وعاد الرئيس صالح إلى مسرح الأحداث بانضمامه إلى السلطة الإنقلابية . . .
وأنضم الشعب اليمني إلى السلطة الشرعية ؛ وخاضوا معها المعركة ، وتحملوا الجوع والبرد وانعدام العلاج حتى تم تحرير المحافظات الجنوبية . . .
وصوَّب اليمنيون والعالم أعينهم وانتباههم صوب المحافظات الجنوبية المحررة ؛ اعتقدوا أنَّها ستكون نموذج الحرية والعدالة والتنمية والإنتاج ؛ نموذج الدولة القادمة التي يشرف عليها الخليجيون والتي ستبدأ تهيئتها لإِنْضِمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي
لكنَّهم صدموا بواقع الحال ؛ زاد في المحافظات الجنوبية المحررة الجوع والمرض والفقر والفوضى والانفلات الأمني وتعطل المرافق الحكومية الخدمية وتحوَّل أعداد كبيرة من جنود الشرعية إلى داعش وقاعدة ولصوص وقطاع طرق وقتلة مأجورين .
بينما المناطق التي تقع تحت سيطرة السلطة الإنقلابية تنعم بالأمن والاستقرار والعدالة ولايوجد فيها أي تحرك للمنظمات الإرهابية ولا قطع طريق .
وكانت الصدمة الثانية في الشمال ؛ فقد طالت الحرب رغم الدعم المهول من التحالف العربي للسلطة الشرعية إلَّا أنَّها عجزت عن تحقيق انجاز يستحق الذكر . . . وتجمدوا في فرضة نهم-صنعاء 6 أشهر ؛ وفي الحزم-الجوف 9 أشهر ؛ وفي عصيفرة-تعز 10 أشهر ؛ وفي صحن الجن-مأرب 12 شهر ؛ وفي ميدي-حجة 5 أشهر .
وفي لحظة اليأس هذه وصل الشعب اليمني إلى قناعة بالقول المأثور (إمام عادل خيرٌ من إمامٍ جائر ... وإمامٌ جائر خيرٌ من فتنة دائرة) ؛ فعاد للإلتفاف حول الرئيس صالح..!!!! ليس حباً فيه ، بل بغضاً بثورة 11 فبراير 2011 التي أنتجت لهم "سلطتان" شرعية وإنقلابية جرَّت البلاد إلى الفوضى والحرب والدمار .
والسؤال ؛ لماذا فشلت السلطة الشرعية وقادت المحافظات الجنوبية إلى الفوضى والكارثة...؟
السبب بسيط ؛ لأنَّ السلطة الشرعية لم تضع الإنقلابيين في خانة العدو رقم (1) ؛ بل جعلت الحراك العدو الأول ، فأعطت للوحدة اليمنية قداسة أكثر من قدسية حياة البشر . . . ولم تركز على مواجهة خطط الإنقلابيين (الظاهرة والخفية) لأنها انشغلت بالتآمر على رجال النصر "شباب الحراك والمقاومة الجنوبية" . . . وأصبح جميع الجنوبيين انفصاليون أعداء بدون أي دليل (يكفي الظن دليلاً لشيطنتهم وإقصائهم)
وعمدت الشرعية إلى بث العداء بينهم بهدف تمزيقهم وتفريقهم . . . ودعمت العناصر المشبوهة عبر سلفيي دماج ؛ لأنَّهم وحدويون وسيضعون تدمير دعاة الاستقلال هدفهم الأول . وهذه العناصر المشبوهة كانوا رجال الرئيس المخلوع في السنوات الماضية ، ولذلك بمجرد إنتهاء المعركة في الجنوب خلطوا الأوراق وجرَّوا البلاد إلى الكارثة التي وصلت إليها اليوم .
بل وفعلت -الشرعية- بسبب أوهامها بالإنفصال أسوأ من ذلك ؛ حيث رفضت فك إرتباط مرافق الدولة في المحافظات الجنوبية والشمالية المحررة عن سلطة المركز-صنعاء (فك إرتباط مؤقت لتسهيل العمل الإداري والخدمي في المحافظات المحررة) . . . وهذا أعطى فرصة ذهبية للرئيس صالح لإعادة تفعيل دولته العميقة التي بناها خلال 33 سنة ؛ وجعلها تنخر في عظم المحافظات المحررة وتقودها إلى مزيد من الدمار والفشل والفوضى والإرهاب .... ونجح في ذلك..!!!
وبعد عام من القتال والصراع السياسي الخفي والمعلن ، والعمل الاستخباري القوي للرئيس صالح ، لم يعد غريباً قدرته على حشد 2-4 مليون ... ولانستغرب إذا حشد أكثر من ذلك . . . وإذا استمر الوضع كما هو سوف يزيد مؤيدي الرئيس صالح يوماً بعد يوم ؛ ففيه يجدون الدولة التي لم يجدوها عند الشرعية ؛ دولة قابلة للاستمرار ويمكنهم العيش فيها بلقمة عيش وأمن على الحياة .
في الختام أذكر بتعظيمه صلى الله عليه وسلم لدماء المسلمين ، قال {لأن تهدم الكعبة حجراً حجرا أهون عند الله من إراقة دم أمرؤٍ مسلم} . . . وكم سيكون عظيماً لو فكر التحالف العربي والسلطة الشرعية بهذه القيمة الإنسانية الربانية العظيمة ووضعوا حياة المسلمين أعظم من الوحدة اليمنية كما هي عند الله .
الحمد لله
عبدالسلام بن عاطف جابر